• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: دفع الزكاة للسلطان
  • رقم الفتوى: 4466
  • تاريخ الإضافة: 24 رجب 1441
  • السؤال
    إذا طلب الحاكم الزكاة من صاحبها فهل يعطيها له؟ وهل تسقط عنه وتبرأ ذمته منها ؟
  • الاجابة

    نعم إذا طلبها منه يدفعها له إذا كان مسلماً، وسواء كان عادلاً أو ظالماً.

    وإذا دفعها له برئت ذمته، وسقط الوجوب عنه، وأدّى ما عليه، ولا يلزمه دفعها مرة أخرى.

    لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: « إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها » قالوا: يا رسول الله! فما تأمُرُنا؟ قال: « تؤدّون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم »([1]) .

    وأداء الزكاة للوالي إذا طلبها من الحق الذي علينا. 

    قال ابن حجر في فتح الباري (13 / 6): قوله: "أدوا إليهم" أي إلى الأمراء، "حقهم" أي الذي وجب لهم المطالبة به وقبضه، سواء كان يختص بهم أو يعم، ووقع في رواية الثوري : "تؤدون الحق الذي عليكم" أي بذل المال الواجب في الزكاة، والنفس في الخروج إلى الجهاد عند التعيين.. ونحو ذلك. انتهى 

    والحديث يدل على أن كل مسلم سيحاسب على ما أوجب الله عليه، فعليه أن يؤدي ما وجب عليه، والوالي مسؤول أمام الله عما استرعاه.

    ولكن يعطي الزكاة للوالي إن طلبها، وأما إذا لم يطلبها فيخرجها بنفسه إلى من يستحقُّها. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى 

    أخرج عبد الرزاق في مصنفه (4/ 46) بإسناد صحيح عن ابن سيرين قال: جاء ابن عمر رجل يسأله عن زكاة ماله، فقال: «ادفعها إلى السلطان» قال: إن أمراءنا الدهاقين؟ قال: «وما الدهاقين؟» قال: من المشركين، قال: «فلا تدفعها إلى المشركين».

    وقال حنبل: قال أحمد: كانوا يدفعون الزكاة إلى الأمراء، وهؤلاء أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمرون بدفعها وقد علموا فيما ينفقونها، فما أقول أنا!
    "معونة أولى النهي" (3/ 309) كما في الجامع.

    وقال ابن المنذر في الإشراف (3/ 97): أجمع أهل العلم على أن الزكاة كانت تدفع إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وإلى رسله، وعماله، وإلى من أمر بدفعها إليه.
    واختلفوا في دفع الزكاة إلى الأمراء.
    فكان سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وعائشة، والحسن البصري، والشعبى، ومحمد بن علي، وسعيد بن جبير، وأبو رزين، والأوزاعي، والشافعي، يقولون: تدفع إلى الأمراء.
    وقال عطاء: أعطيهم إذا وضعوها في مواضعها.
    وقال طاووس: لا يدفع إليهم إذا لم يضعوها مواضعها. 

    وقال الثوري: احلف لهم وخنهم وأكذبهم، ولا تعطيهم شيئاً إذا لم يضعوها مواضعها.

    واختلفوا في وضع أرباب الأموال زكاة أموالهم مواضعها دون السلطان.
    فكان الحسن البصري، ومكحول، وسعيد بن جبير، والنخعي، وميمون بن مهران، يقولون: يضعها مواضعها.
    وقال الشافعي: لا أحب أن يولي زكاة مال غيره.
    وقال أحمد: يفرق هو أحب إلى.
    وقال أبو ثور: لا يسعه ذلك، ولا يجزيه إذا وضعها مواضعها ولم يأت بها السلطان.
    وقال أبو عبيد: في زكاة الذهب والفضة إن دفعها إلى الأمراء أو فرقها تجزيه، وقال في المواشي والحب، والثمار: لا يليها إلا الأئمة، وإن فرقها ربها لم تجزه وعليه الإعادة. انتهى 

    وقال في الإقناع (ص 187): ودفع الصدقة إلى الأمراء يجزئ، ويجزئه أن يفرق هو. انتهى 

    وقال ابن قدامة في المغني (2/ 479): ويستحب للإنسان أن يلي تفرقة الزكاة بنفسه؛ ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقها، سواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة. قال الإمام أحمد: أعجب إلى أن يخرجها، وإن دفعها إلى السلطان. فهو جائز.
    وقال الحسن ومكحول وسعيد بن جبير وميمون بن مهران يضعها رب المال في موضعها. وقال الثوري احلف لهم، وأكذبهم، ولا تعطهم شيئا، إذا لم يضعوها مواضعها، وقال لا تعطهم. وقال عطاء: أعطهم إذا وضعوها مواضعها. فمفهومه أنه لا يعطيهم إذا لم يكونوا كذلك. وقال الشعبي وأبو جعفر إذا رأيت الولاة لا يعدلون، فضعها في أهل الحاجة من أهلها. 

    وقال إبراهيم: ضعوها في مواضعها، وإن أخذها السلطان أجزأك. وقال سعيد: أنبأنا أبو عوانة، عن مهاجر أبي الحسن قال: أتيت أبا وائل وأبا بردة بالزكاة وهما على بيت المال، فأخذاها، ثم جئت مرة أخرى، فرأيت أبا وائل وحده. فقال لي: ردها فضعها مواضعها.

    وقد روي عن أحمد أنه قال: أما صدقة الأرض فيعجبني دفعها إلى السلطان، وأما زكاة الأموال كالمواشي فلا بأس أن يضعها في الفقراء والمساكين. فظاهر هذا أنه استحب دفع العشر خاصة إلى الأئمة؛ وذلك لأن العشر قد ذهب قوم إلى أنه مؤونة الأرض، فهو كالخراج يتولاه الأئمة، بخلاف سائر الزكاة.

    والذي رأيت في " الجامع " قال: أما صدقة الفطر، فيعجبني دفعها إلى السلطان.
    ثم قال أبو عبد الله: قيل لابن عمر: إنهم يقلدون بها الكلاب، ويشربون بها الخمور؟ قال: ادفعها إليهم.

    وقال ابن أبي موسى وأبو الخطاب: دفع الزكاة إلى الإمام العادل أفضل. وهو قول أصحاب الشافعي.
    وممن قال: يدفعها إلى الإمام: الشعبي ومحمد بن علي وأبو رزين، والأوزاعي؛ لأن الإمام أعلم بمصارفها، ودفعها إليه يبرئه ظاهرا وباطنا، ودفعها إلى الفقير لا يبرئه باطنا، لاحتمال أن يكون غير مستحق لها، ولأنه يخرج من الخلاف، وتزول عنه التهمة.
    وكان ابن عمر يدفع زكاته إلى من جاءه من سعاة ابن الزبير، أو نجدة الحروري.

    وقد روي عن سهيل بن أبي صالح، قال: أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت: عندي مال، وأريد أن أخرج زكاته، وهؤلاء القوم على ما ترى، فما تأمرني؟ قال: ادفعها إليهم. فأتيت ابن عمر، فقال مثل ذلك، فأتيت أبا هريرة فقال مثل ذلك، فأتيت أبا سعيد فقال مثل ذلك. ويروى نحوه عن عائشة - رضي الله عنها -.

    وقال مالك وأبو حنيفة وأبو عبيد: لا يفرق الأموال الظاهرة إلا الإمام؛ لقول الله تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة: 103] .
    ولأن أبا بكر، طالبهم بالزكاة، وقاتلهم عليها، وقال: لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليها. ووافقه الصحابة على هذا، ولأن ما للإمام قبضه بحكم الولاية، لا يجوز دفعه إلى المولى عليه، كولي اليتيم.

    وللشافعي قولان كالمذهبين.

    ولنا على جواز دفعها بنفسه أنه دفع الحق إلى مستحقه الجائز تصرفه فأجزأه، كما لو دفع الدين إلى غريمه، وكزكاة الأموال الباطنة، ولأنه أحد نوعي الزكاة، فأشبه النوع الآخر، والآية تدل على أن للإمام أخذها، ولا خلاف فيه، ومطالبة أبي بكر لهم بها، لكونهم لم يؤدوها إلى أهلها، ولو أدوها إلى أهلها لم يقاتلهم عليها؛ لأن ذلك مختلف في إجزائه، فلا تجوز المقاتلة من أجله، وإنما يطالب الإمام بحكم الولاية والنيابة عن مستحقيها، فإذا دفعها إليهم جاز؛ لأنهم أهل رشد، فجاز الدفع إليهم، بخلاف اليتيم.
    وأما وجه فضيلة دفعها بنفسه، فلأنه إيصال الحق إلى مستحقه، مع توفير أجر العمالة، وصيانة حقهم، عن خطر الخيانة، ومباشرة تفريج كربة مستحقها، وإغنائه بها، مع إعطائها للأولى بها؛ من محاويج أقاربه، وذوي رحمه، وصلة رحمه بها، فكان أفضل، كما لو لم يكن آخذها من أهل العدل.

    فإن قيل: فالكلام في الإمام العادل، إذ الخيانة مأمونة في حقه. قلنا: الإمام لا يتولى ذلك بنفسه، وإنما يفوضه إلى نوابه، فلا تؤمن منهم الخيانة، ثم ربما لا يصل إلى المستحق الذي قد علمه المالك من أهله وجيرانه شيء منها، وهم أحق الناس بصلته وصدقته ومواساته.
    وقولهم: إن أخذ الإمام يبرئه ظاهرا وباطنا. قلنا: يبطل هذا بدفعها إلى غير العادل؛ فإنه يبرئه أيضا، وقد سلموا أنه ليس بأفضل، ثم إن البراءة الظاهرة تكفي. وقولهم: إنه تزول به التهمة. قلنا: متى أظهرها زالت التهمة، سواء أخرجها بنفسه، أو دفعها إلى الإمام، ولا يختلف المذهب أن دفعها إلى الإمام، سواء كان عادلا أو غير عادل، وسواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة، ويبرأ بدفعها سواء تلفت في يد الإمام أو لم تتلف، أو صرفها في مصارفها أو لم يصرفها؛ لما ذكرنا عن الصحابة - رضي الله عنهم -، ولأن الإمام نائب عنهم شرعا فبرئ بدفعها إليه، كولي اليتيم إذا قبضها له، ولا يختلف المذهب أيضا في أن صاحب المال يجوز أن يفرقها بنفسه. انتهى 

    وانظر مصنف عبد الرزاق (4/ 43)، ومصنف ابن أبي شيبة (2/ 384)، والمجموع (6 / 164).


    ([1]) أخرجه البخاري (3603)، ومسلم (1843).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم