• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: الفرق بين المسكين والفقير
  • رقم الفتوى: 4477
  • تاريخ الإضافة: 26 رجب 1441
  • السؤال
    هل هناك فرق بين الفقير والمسكين ؟
  • الاجابة

    الفقير والمسكين كلمتان إذا اجتمعتا افترقتا وإذا افترقتا اجتمعتا.

    وبعبارة أسهل: إذا أطلقت كلمة (فقير) وحدها أو كلمة (مسكين) وحدها، ولم تذكر الأخرى معها، فهما بنفس المعنى، وإذا ذكرتا مع بعضهما كان لكل واحدة معنى يختلف عن معنى الأخرى.

    ففي آية المائدة مثلاً، في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين..} اجتمعت في هذه الآية كلمتا الفقير والمسكين، دلّ هذا على أنه يوجد فرقٌ بينهما في المعنى، فالفقير هو المُعْدَمُ الذي لا مال له، والمسكين الذي عنده أصل المال ولكنه لا يكفيه، كأصحاب السفينة في سورة الكهف، فإن الله تبارك وتعالى ذكر أنهم كانوا يملكون سفينة يتكسّبون بها، ولكنها لا تكفيهم، فوصفهم الله بأنهم مساكين.

    وفي قوله تعالى: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله} ذكر الفقير وحده، وفي قوله {فكفارته إطعام عشرة مساكين} ذكر المسكين وحده؛ فيكون معناهما واحداً، وهو من لا يملك كفايته، سواء عنده أصل المال أو لا. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى 

    قال ابن تيمية : وتارة تكون دلالة الاسم تتنوع بحال الانفراد والاقتران، فإذا أفرد عم، وإذا قرن بغيره خص؛ كاسم " الفقير " و " المسكين " لما أفرد أحدهما في مثل قوله: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله}، وقوله: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} دخل فيه الآخر. ولما قرن بينهما في قوله: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} صارا نوعين. انتهى مجموع الفتاوى (10 / 75).

    وقال: وإذا ذكر في القرآن اسم " الفقير " وحده و " المسكين " وحده - كقوله: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} - فهما شيء واحد، وإذا ذكرا جميعاً فهما صنفان، والمقصود بهما أهل الحاجة، وهم الذين لا يجدون كفايتهم لا من مسألة ولا من كسب يقدرون عليه، فمن كان كذلك من المسلمين استحق الأخذ من الصدقات المفروضة والموقوفة والمنذورة والموصى بها، وبين الفقهاء نزاع في بعض فروع المسألة معروف عند أهل العلم. انتهى مجموع الفتاوى (11/ 68)

    وقال ابن قدامة في المغني (6/ 469): الفقراء والمساكين صنفان في الزكاة، وصنف واحد في سائر الأحكام؛ لأن كل واحد من الاسمين ينطلق عليهما، فأما إذا جمع بين الاسمين، وميز بين المسميين تميزا.

    وكلاهما يشعر بالحاجة والفاقة وعدم الغنى، إلا أن الفقير أشد حاجة من المسكين، من قبل أن الله تعالى بدأ به، وإنما يبدأ بالأهم فالأهم. وبهذا قال الشافعي، والأصمعي. وذهب أبو حنيفة إلى أن المسكين أشد حاجة. وبه قال الفراء، وثعلب، وابن قتيبة؛ لقول الله تعالى: {أو مسكينا ذا متربة} [البلد: 16] . وهو المطروح على التراب لشدة حاجته، وأنشدوا:
    أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سبد
    فأخبر أن الفقير حلوبته وفق عياله.
    ولنا أن الله تعالى بدأ بالفقراء، فيدل على أنهم أهم، وقال تعالى: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} [الكهف: 79]، فأخبر أن المساكين لهم سفينة يعملون بها، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين. وكان يستعيذ من الفقر»،
     ولا يجوز أن يسأل الله تعالى شدة الحاجة، ويستعيذ من حالة أصلح منها، ولأن الفقر مشتق من فقر الظهر، فعيل بمعنى مفعول، أي مفقود، وهو الذي نزعت فقرة ظهره، فانقطع صلبه.
    قال الشاعر:
    لما رأى لبد النسور تطايرت ... رفع القوادم كالفقير الأعزل
    أي لم يطق الطيران، كالذي انقطع صلبه، 
    والمسكين مفعيل من السكون، وهو الذي أسكنته الحاجة، ومن كسر صلبه أشد حالا من الساكن.

    فأما الآية فهي حجة لنا، فإن نعت الله تعالى للمسكين بكونه ذا متربة، يدل على أن هذا النعت لا يستحقه بإطلاق اسم المسكنة، كما يقال: ثوب ذو علم. ويجوز التعبير بالمسكين عن الفقير، بقرينة وبغير قرينة، والشعر أيضا حجة لنا، فإنه أخبر أن الذي كانت حلوبته وفق العيال، لم يترك له سبد، فصار فقيرا لا شيء له.

    إذا تقرر هذا، فالفقير الذي لا يقدر على كسب ما يقع موقعا من كفايته، ولا له من الأجرة أو من المال الدائم ما يقع موقعا من كفايته، ولا له خمسون درهما، ولا قيمتها من الذهب، مثل الزمنى والمكافيف وهم العميان، سموا بذلك لكف أبصارهم؛ لأن هؤلاء في الغالب لا يقدرون على اكتساب ما يقع موقعا من كفايتهم، وربما لا يقدرون على شيء أصلا، قال الله تعالى: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا} [البقرة: 273] . ومعنى قولهم: يقع موقعا من كفايتهم
    أنه يحصل به معظم الكفاية، أو نصف الكفاية مثل من يكفيه عشرة فيحصل له من مكسبه أو غيره خمسة فما زاد، والذي لا يحصل له إلا ما لا يقع موقعا من كفايته، كالذي لا يحصل له إلا ثلاثة أو دونها، فهذا هو الفقير، والأول هو المسكين، فيعطى كل واحد منهما ما يتم به كفايته، وتنسد به حاجته؛ لأن المقصود دفعها وإغناء صاحبها، ولا يحصل إلا بذلك. والذي يسأل، ويحصل الكفاية أو معظمها من مسألته، فهو من المساكين، لكنه يعطى جميع كفايته، ويغنى عن السؤال. فإن قيل: فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس، ولا يفطن له فيتصدق عليه» .
    قلنا، هذا تجوز، وإنما نفي المسكنة عنه مع وجودها فيه حقيقة، مبالغة في إثباتها في الذي لا يسأل الناس، كما قال - عليه السلام -: «ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يغلب نفسه عند الغضب» . وقال: «ما تعدون الرقوب فيكم؟ . قالوا: الذي لا يعيش له ولد. قال: لا، ولكن الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئا» . وقال: «ما تعدون المفلس فيكم؟ . قالوا: الذي لا درهم له ولا متاع. قال: لا، ولكن المفلس الذي يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، ويأتي وقد ظلم هذا، ولطم هذا، وأخذ من عرض هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، حتى إذا نفدت حسناته، أخذ من سيئاتهم، فطرحت عليه، ثم يصك له صك إلى النار». انتهى 

    وقال البغوي في شرح السنة (6/ 85): واختلفوا في حد الغني الذي يمنع أخذ الصدقة، فذهب قوم إلى أن من ملك خمسين درهماً لا تحل له الصدقة؛ لحديث عبد الله بن مسعود، وهو قول سفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وقالوا: لا يجوز أن يعطى الرجل من الزكاة أكثر من خمسين.

    وقال أصحاب الرأي: حده أن يملك مائتي درهم، لأنه حينئذ تجب عليه الزكاة، والشرع أمر بأخذ الصدقة من الأغنياء، ودفعها إلى الفقراء، وهذا قد ثبت غناه بوجوب الزكاة عليه، فخرج عن حد الفقراء. وقالوا إذا أعطي الفقير من الصدقة، يكره أن يبلغ به مائتي درهم.
    وقال أبو عبيد: حده أن يملك أربعين درهما، لحديث الأسدي.

    وذهب الأكثرون إلى أن حده أن يكون عنده ما يكفيه وعياله، وهو قول مالك، والشافعي، قال الشافعي: وقد يكون الرجل غنيا بالدرهم مع كسب، ولا يكون غنيا بألف لضعفه في نفسه، وكثرة عياله، وقال: يجوز أن يعطى الفقير من الصدقة إلى أن يزول عنه اسم الفقر والحاجة من غير تحديد. انتهى

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم