• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: بين الفقر والغنى
  • رقم الفتوى: 4478
  • تاريخ الإضافة: 26 رجب 1441
  • السؤال
    هل هناك درجة وسطى بين الفقير والغني في الزكاة، أم يُقال: من ليس فقيراً فهو غني، ومن ليس غنياً فهو فقير؟
  • الاجابة

    اختلف أهل العلم في ذلك، فقال البعض: الفرق بين الغني والفقير: «ملك النصاب»، فإذا ملك النصاب فهو غني تجب عليه الزكاة، وإذا لم يملك النصاب فهو فقير تجوز عليه الزكاة.

    والصحيح هو الذي ذهب إليه الجمهور، قالوا: توجد درجة وسطى ما بين الفقير والغني، فإما فقير يستحق الزكاة، أو غني تجب عليه الزكاة - وهو الذي ملك النصاب -، أو مكتف وهو المالك للكفاية، وهذا لا تجب عليه الزكاة لعدم ملك النصاب، ولا تجوز له الزكاة لكفايته، يسميه الكثير من الفقهاء غنياً، ويعنون به أدنى الغنى كما عبر به الشافعي، ولا يوجبون عليه الزكاة، ولا يجيزون له أخذها. 

    والدليل على هذا الصنف، أنه ورد عن النبي في أكثر من حديث أنه كان يستعيذ من الفقر([1]) وكان يدعو ويقول: « اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً »([2]) وفي رواية: «كفافاً»، والرواية عند مسلم([3])، والمعنى كما قال أهل العلم: «ما يسد الرمق»، وقالوا: هو ما تُكَفُّ به الحاجات ويَدْفَعُ الضرورات والفاقات، ولا يلحق بأهل الترفهات، فلا يكون فيه فضول يخرج إلى الترف.

     فاستعاذته من الفقر مع طلب الكفاية يدل على أن من ملك الكفاية ليس فقيراً، فأثبتنا بذلك درجة وسطى ما بين الفقير الذي يجوز له أخذ الزكاة، والغني الذي يجب عليه إخراجها. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى

    قال الإمام الشافعي: "وقد يكون غنياً ولا مال له تجب فيه الزكاة" . انتهى من مختصر المزني (8/ 258).

    وقال ابن تيمية : وأما اسم " الفقير " فإنه موجود في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن المراد به في الكتاب والسنة: الفقير المضاد للغني، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

    والفقراء والفقر أنواع: فمنه المسوغ لأخذ الزكاة، وضده الغنى المانع لأخذ الزكاة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب"، والغنى الموجب للزكاة غير هذا عند جمهور العلماء؛ كمالك والشافعي وأحمد، وهو ملك النصاب وعندهم قد تجب على الرجل الزكاة ويباح له أخذ الزكاة خلافاً لأبي حنيفة. انتهى

    وقال ابن رشد في بداية المجتهد (2/ 38): وأما حد الغنى الذي يمنع من الصدقة: فذهب الشافعي إلى أن المانع من الصدقة هو أقل ما ينطلق عليه الاسم. وذهب أبو حنيفة إلى أن الغني هو مالك النصاب؛ لأنهم الذين سماهم النبي - عليه الصلاة والسلام - أغنياء؛ لقوله في حديث معاذ له: «فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» وإذا كان الأغنياء هم أهل النصاب وجب أن يكون الفقراء ضدهم. وقال مالك: ليس في ذلك حد إنما هو راجع إلى الاجتهاد. انتهى

    وقال ابن قدامة في المغني (2/ 493): "يعني لا يعطى من سهم الفقراء والمساكين غني، ولا خلاف في هذا بين أهل العلم؛ وذلك لأن الله تعالى جعلها للفقراء والمساكين، والغني غير داخل فيهم، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: «أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد في فقرائهم. وقال: "لا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب". وقال: "لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي" . أخرجه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن
    ولأن أخذ الغني منها يمنع وصولها إلى أهلها، ويخل بحكمة وجوبها، وهو إغناء الفقراء بها.

    واختلف العلماء في الغنى المانع من أخذها، ونُقل عن أحمد فيه روايتان: أظهرهما، أنه ملك خمسين درهماً، أو قيمتها من الذهب، أو وجود ما تحصل به الكفاية على الدوام؛ من كسب، أو تجارة، أو عقار، أو نحو ذلك.
    ولو ملك من العروض، أو الحبوب أو السائمة، أو العقار، ما لا تحصل به الكفاية، لم يكن غنياً، وإن ملك نصاباً، هذا الظاهر من مذهبه، وهو قول الثوري والنخعي وابن المبارك وإسحاق. وروي عن علي وعبد الله، أنهما قالا: لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهماَ، أو عدلها، أو قيمتها من الذهب".

    وقال: "وقد قال علي وعبد الله مثل ذلك. والرواية الثانية، أن الغنى ما تحصل به الكفاية، فإذا لم يكن محتاجاً حرمت عليه الصدقة، وإن لم يملك شيئاً، وإن كان محتاجاً حلت له الصدقة، وإن ملك نصاباً، والأثمان وغيرها في هذا سواء.
    وهذا اختيار أبي الخطاب وابن شهاب العكبري، وقول مالك والشافعي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لقبيصة بن المخارق «لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة: رجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: قد أصابت فلانا فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو سدادا من عيش» رواه مسلم.
    فمد إباحة المسألة إلى وجود إصابة القوام أو السداد، ولأن الحاجة هي الفقر، والغنى ضدها، فمن كان محتاجا فهو فقير يدخل في عموم النص، ومن استغنى دخل في عموم النصوص المحرمة"

    وقال: " وقال الحسن وأبو عبيد: الغنى ملك أوقية، وهي أربعون درهماً"

    وقال: وقال أصحاب الرأي: الغنى الموجب للزكاة هو المانع من أخذها، وهو ملك نصاب تجب فيه الزكاة، من الأثمان، أو العروض المعدة للتجارة، أو السائمة، أو غيرها؛ « لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد في فقرائهم» فجعل الأغنياء من تجب عليهم الزكاة، فيدل ذلك على أن من تجب عليه غني، ومن لا تجب عليه ليس بغني، فيكون فقيراً، فتدفع الزكاة إليه؛ لقوله: " فترد في فقرائهم ".
    ولأن الموجب للزكاة غنى، والأصل عدم الاشتراك، ولأن من لا نصاب له لا تجب عليه الزكاة فلا يمنع منها، كمن يملك دون الخمسين، ولا له ما يكفيه.

    فيحصل الخلاف بيننا وبينهم في أمور ثلاثة: أحدها، أن الغنى المانع من الزكاة غير الموجب لها عندنا. ودليل ذلك حديث ابن مسعود ([4])، وهو أخص من حديثهم.
    فيجب تقديمه، ولأن حديثهم دل على الغنى الموجب، وحديثنا دل على الغنى المانع، ولا تعارض بينهما. فيجب الجمع بينهما.

    وقولهم: الأصل عدم الاشتراك. قلنا: قد قام دليله بما ذكرناه، فيجب الأخذ به. انتهى باختصار 


    ([1]) أخرجه أحمد في «مسنده» (8053)، وأبو داود (1544)، والنسائي (5460)، وابن ماجه (3842) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

    ([2]) أخرجه البخاري (6460)، ومسلم (1055) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

    ([3]) أخرجها مسلم (1055).

    ([4]) عن عبد الله بن مسعود قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خموشا، أو خدوشا، أو كدوحا في وجهه. فقيل: يا رسول الله، ما الغنى؟ قال: خمسون درهماً، أو قيمتها من الذهب.» رواه أحمد وأبو داود، وغيرهما، وهو ضعيف. والله أعلم 

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم