• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: إعطاء الغني من الزكاة
  • رقم الفتوى: 4516
  • تاريخ الإضافة: 29 رجب 1441
  • السؤال
    ما حكم إعطاء الزكاة للغني؟ وهل تجزئ عن المزكي؟ وهل يلزمه إخراجها مرة أخرى إذا أعطاها لغني وهو لا يعرف أنه غني ؟
  • الاجابة

    تحرم زكاة المال على الغني، تحرم على كل من وجد كفايته وكفاية من يعول (أي من ينفق عليه)، انظر الفتوى رقم (4489)؛ لقوله : «لا حظَّ فيها لغني ولا لذي مرة سوي»([1]) وفي رواية: «ولا لقوي مكتسب»([2])، و(المِرَّة) هي القوة وشدة العقل، ويستثنى من ذلك، العامل عليها، ومن تقدّم ذكرهم في الفتوى رقم (4476)، كالمجاهد في سبيل الله، فإنهم وإن كانوا أغنياء أو أقوياء، فإن الزكاة تحلّ لهم بالنص.

    ومن أعطاها لغني لا يستحق الزكاة، وهو يعلم أنه غني؛ وجب عليه إخراجها مرة أخرى؛ فلا تجزئ عنه؛ لأنه لم يضعها في موضعها الذي أمره الله تبارك وتعالى به.

    وأما من تحرى عنه ولم يقصر في معرفة حاله، وظنه مستحقاً للزكاة، ودفعها إليه، ثم تبين بعد ذلك أنه لا يستحقها؛ فتجزئ عنه على الصحيح، ولا يجب عليه إخراجها مرة أخرى؛ لأنه أدى الفرض كما أمر، والإثم على من أخذها وهو لا يستحقها. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى

    قال ابن قدامة في المغني (2/ 498): وإذا أعطى من يظنه فقيراً، فبان غنياً. فعن أحمد فيه روايتان: إحداهما، يجزئه. اختارها أبو بكر. وهذا قول الحسن وأبي عبيد وأبي حنيفة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى الرجلين الجلدين، وقال: " إن شئتما أعطيتكما منها، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب ".
    وقال للرجل الذي سأله الصدقة: «إن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك» . ولو اعتبر حقيقة الغنى لما اكتفى بقولهم. وروى أبو هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال رجل لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت، لعل الغني أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله» . متفق عليه.

    والرواية الثانية: لا يجزئه؛ لأنه دفع الواجب إلى غير مستحقه، فلم يخرج من عهدته، كما لو دفعها إلى كافر، أو ذي قرابته، وكديون الآدميين. وهذا قول الثوري والحسن بن صالح وأبي يوسف وابن المنذر، وللشافعي قولان كالروايتين.

    فأما إن بان الآخذ عبداً، أو كافراً، أو هاشمياً، أو قرابة للمعطي ممن لا يجوز الدفع إليه، لم يجزه، رواية واحدة؛ لأنه ليس بمستحق، ولا تخفى حاله غالباً، فلم يجزه الدفع إليه، كديون الآدميين، وفارق من بان غنياً؛ بأن الفقر والغنى مما يعسر الاطلاع عليه والمعرفة بحقيقته، قال الله تعالى: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم} [البقرة: 273].
    فاكتفى بظهور الفقر، ودعواه بخلاف غيره. انتهى

    وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/ 263): قوله: (وإن أعطاها لمن ظنه غير أهل فبان أهلاً، أو بالعكس؛ لم يجزه)؛ لأنه حين دفعها يعتقد أنها وضعت في غير موضعها؛ ولأنه متلاعب؛ إذ كيف يعطي زكاته لشخص يظنه غنيا ثم تبين أنه فقير؟! فلا تجزئه.
    وقوله: «أو بالعكس» أي: أعطاها لمن ظن أنه أهل فبان غير أهل فلا تجزئه أيضا؛ لأن العبرة بما في نفس الأمر لا بما في ظنه.
    مثاله: أعطى رجلا يظنه غارما فبان أنه غير غارم، فإنها لا تجزئ؛ لأن العبرة بما في نفس الأمر، أي: بالواقع، والواقع أنه غير أهل. مثال آخر: أعطاها لشخص يظنه ابن سبيل فتبين أنه غير ابن سبيل فإنها لا تجزئه. 
    مثال آخر: أعطاها لقريب يظن أنها تجزئه فتبين أنه لا يجزئه إعطاء هذا القريب؛ لوجوب الإنفاق عليه.

    قوله: «إلا لغني ظنه فقيراً فإنه يجزئه»، هذا مستثنى من قوله: «أو بالعكس».
    مثل: رجل جاء يسأل؛ وعليه علامة الفقر فأعطيته من الزكاة فجاءني شخص فقال: ماذا أعطيته؟ قلت: زكاة، قال: هذا أغنى منك، فتجزئ؛ لأنه ليس لنا إلا الظاهر، ومثل ذلك الذين يسألون في المدارس والمساجد ثم نعطيهم بناء على الظاهر.
    والدليل على ذلك: قصة الرجل الذي تصدق ليلة من الليالي فخرج بصدقته فدفعها إلى شخص فأصبح الناس يتحدثون: تصدق اليلة على غني، فقال: الحمد لله على غني ـ يرى أنها مصيبة ـ ثم خرج مرة أخرى فتصدق على بغي ـ زانية ـ فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على بغي، فقال: الحمد لله؛ على غني وبغي، ثم خرج مرة ثالثة فتصدق فوقعت الصدقة في يد سارق، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على سارق، فقال: الحمد لله على غني وبغي وسارق، فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت؛ أما الغني فلعله يتذكر ويتصدق، وأما البغي فلعلها تستعف، وأما السارق فلعله يكتفي بما أعطيته عن السرقة.
    فهذا الرجل نيته طيبة، ولحسن نيته وقعت صدقته في محلها، وصارت مفيدة مقبولة عند الله، ونافعة لمن تصدق عليهم، فيؤخذ منه أنه إذا تصدق على فقير فبان غنيا أنها تجزئه.

    وذهب بعض أهل العلم: إلى أنه إذا دفعها إلى من يظن أنه أهل بعد التحري، فبان أنه غير أهل فإنها تجزئه؛ حتى في غير مسألة الغني؛ أي: عموماً؛ لأنه اتقى الله ما استطاع؛ لقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة: 286] والعبرة في العبادات بما في ظن المكلف بخلاف المعاملات فالعبرة بما في نفس الأمر، ويصعب أن نقول له: إن زكاتك لم تقبل مع أنه اجتهد، والمجتهد إن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران.

    وهذا القول أقرب إلى الصواب: أنه إذا دفع إلى من يظنه أهلا مع الاجتهاد والتحري فتبين أنه غير أهل فزكاته مجزئة؛ لأنه لما ثبت أنها مجزئة إذا أعطاها لغني ظنه فقيرا، فيقاس عليه بقية الأصناف.

    مسألة: إذا جاءك سائل يسأل الزكاة، ورأيته جلداً قوياً، فهل تعطيه أم لا؟
    الجواب: نقول: عظه أولاً، وقل: إن شئت أعطيتك ولا حظ فيها لغني ولا قوي مكتسب، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الرجلين اللذين أتيا إليه يسألانه من الصدقة فرآهما جلدين، وقال: «إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب». فإن قال قائل: أحوال الناس اليوم فسدت، فإنك لو وعظته بهذا الكلام لم يتعظ فما الجواب؟
    الجواب: أن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فنعظه بما وعظه النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أصر ونحن لا نعلم خلاف ما يدعي، فإننا نعطيه، أما إذا أصر على السؤال، ونحن نعلم خلاف ما يدعي فإننا لا نعطيه. انتهى كلامه رحمه الله 

    أقول: اليوم لابد من التحري؛ فغالب من رأيناهم يطلبونها يكذبون، والذين يحتاجونها يتعففون، فإذا أعطيت لمن طلبها من غير التأكد من صدقه؛ ذهبت الزكاة إلى من لا يستحقها، وحُرمها من يستحقها، وبطلت حكمتها، بخلاف الحال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم 


    ([1]) أخرجه أحمد (6530)، وأبو داود (1634)، والترمذي (652) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.

    ([2]) أخرجه احمد (17972)، وأبو داود (1633)، والنسائي (2598)

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم