• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: زكاة الكنز
  • رقم الفتوى: 4518
  • تاريخ الإضافة: 29 رجب 1441
  • السؤال
    الدفائن والكنوز الثمينة، هل تجب فيها زكاة ؟
  • الاجابة

    الذهب وغيره من الكنوز التي توجد مدفونة في الأرض، تنقسم إلى قسمين، القسم الأول: دفْنُ الجاهلية سواء كان ذهباً أو فضةً أو نحاساً أو حديداً أو غير ذلك من الأموال، ويسمى ركازاً، فالركاز هو دفن الجاهلية، ويُعْرَفُ دفْنُ الجاهليَّة، إما بكتابة أسمائهم عليه، أو بنقوش معينة لهم تكون منقوشة عليه، أو صور وعلامات، هذا يسمى ركازاً.

    وأما القسم الثاني فهو ما كان ملكاً للمسلمين، تكون عليه علامات المسلمين فهذا لا يعتبر رِكازاً ، بل يدخل في حكم اللقطة.

    دفن الجاهلية هذا إذا أُخرج وجب فيه الخمس؛ لقول النبي ﷺ: «وفي الركاز الخمس»([1] سواء كان الذي وجده حراً أو عبداً أو امرأة أو صبياً أو ذمياً، فيُخرج منه الخمس، وسواء وجد في موات أرض المسلمين، أي أرض هي لأهل الإسلام، ولكنها ليست ملكاً لأحدٍ، أو وُجد في أرض الحرب؛ كله فيه الخمس، وأربعة أخماسه لمن وجده.

    قال الإمام مالك - رحمه الله -: «الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا والذي سمعت أهل العلم يقولون، إن الركاز إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية ما لم يُطلب بمال ولم يُتكلف فيه نفقة ولا كبير عمل ولا مؤنة، فأما ما طُلب بمال وتُكُلِّف فيه كبير عمل فأصيب مرة وأخطأ مرة فليس بركاز»([2]) .

    فالذهب الذي يُستخرج اليوم كثير منه غير داخل في حكمنا الذي نذكره بناءً على ما ذكر الإمام مالك - رحمه الله -، فالذين يستخرجون الذهب الآن يتكلفون له تكلفة كبيرة وتصيب تارة وتخيب تارات كثيرة.

    ثم إن كثيراً من هذا الذهب هو دفن تركي والأتراك مسلمون فحكمه حكم اللقطة وليس حكم الركاز.

    ولكن إن وجده شخص دون تكلفة وكان من دفن الجاهلية كذهب الرومان ففيه الخمس أي يخرج خمسه ويدفعه إلى مستحقيه، انظرهم في الفتوى رقم (4519).  والله أعلم هذه خلاصة الفتوى. 

    قال البغوي في شرح السنة (6/ 58):  الركاز اسم للمال المدفون في الأرض، والمعدن: اسم للمخلوق في الأرض، وقد يقع اسم الركاز عليهما جميعاً من حيث إن المدفون ركزه صاحبه في الأرض، والمخلوق ركزه الله في الأرض، والخبر ورد في المدفون.
    وقال الحسن: الركاز: الكنز العادي.
    واتفق أهل العلم على وجوب الخمس في الركاز حالة ما يجده لا ينتظر به حول، وشرطه أن يجده مدفوناً في موات، أو في موضع جاهلي لم يجر عليه ملك في الإسلام، وأن يكون من دفن الجاهلية، فإن كان شيئاً لا يتصور بقاؤه من ذلك الزمان، أو كان نقداً بضرب الإسلام، فهو لقطة.

    واختلفوا في أن الوجوب هل يختص بالذهب والفضة، وبالنصاب؟ فذهب الشافعي في أظهر قوليه إلى أن الخمس لا يجب في غير الذهب والفضة، ويجب فيهما بعد أن يكون نصاباً عشرين مثقالاً من الذهب، أو مائتي درهم، ثم احتاط، وقال: لو كنت أنا الواجد لخمست القليل والكثير والذهب والفضة وغيرهما.
    وأوجب مالك في قليله وكثيره.
    ومصرف الركاز مصرف الزكاة عند الشافعي؛ لأنه مستفاد من الأرض كالزرع، وعند أبي حنيفة مصرفه مصرف خمس الفيء؛ لأنه من مال أهل الشرك.
    وأما المستخرج من المعدن، فعند الشافعي إن كان ذهباً أو فضة يجب فيه ربع العشر على أظهر قوليه بعد أن يكون نصاباً، ولا يشترط فيه الحول كالزرع يؤخذ منه الزكاة حين يحصد، ولم يجب الخمس لكثرة المئونة في تحصيله، ولا يوجب في غير الذهب والفضة.
    .."

    وروى بإسناده "عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن غير واحد من علمائهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أقطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية وهي من ناحية الفرع، فتلك المعادن لا يؤخذ منها الزكاة إلى اليوم». وهذا قول عمر بن عبد العزيز، ومالك.
    وقال الحسن: في ركاز أرض الحرب الخمس، وفي ركاز أرض السلم الزكاة.
    وقال أبو حنيفة: يجب في المستخرج من المعدن الخمس كالركاز.
    وهو قول إسحاق وأحد أقاويل الشافعي.
    وأوجب أبو حنيفة في كل جوهر ينطبع كالحديد والنحاس قياساً على الذهب والفضة، ثم ناقض، فقال: لا بأس أن يكتمه، فلا يؤدي منه الخمس.

    وشرط بعضهم الحول في المستخرج من المعدن من حين يخرج، ولا شيء في العنبر، قال ابن عباس: ليس في العنبر زكاة، هو شيء دسره البحر.
    وقال الحسن في العنبر واللؤلؤ: الخمس. انتهى 

    وقال ابن قدامة في المغني (3/ 48): " مسألة: قال: وما كان من الركاز، وهو دفن الجاهلية، قل أو كثر، ففيه الخمس لأهل الصدقات، وباقيه له.

    الدفن، بكسر الدال: المدفون. والركاز: المدفون في الأرض. واشتقاقه من ركز يركز. مثل غرز يغرز: إذا خفي. يقال: ركز الرمح، إذا غرز أسفله في الأرض. ومنه الركز، وهو الصوت الخفي، قال الله تعالى: {أو تسمع لهم ركزا} [مريم: 98] . والأصل في صدقة الركاز، ما روى أبو هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «العجماء جبار، وفي الركاز الخمس» متفق عليه. وهو أيضاً مجمع عليه.
    قال ابن المنذر لا نعلم أحداً خالف هذا الحديث، إلا الحسن فإنه فرق بين ما يوجد في أرض الحرب، وأرض العرب، فقال: فيما يوجد في أرض الحرب الخمس، وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة.

    وأوجب الخمس في الجميع: الزهري، والشافعي، وأبو حنيفة، وأصحابه، وأبو ثور، وابن المنذر، وغيرهم.

    الفصل الأول، أن الركاز الذي يتعلق به وجوب الخمس ما كان من دفن الجاهلية. هذا قول الحسن، والشعبي، ومالك والشافعي، وأبي ثور.
    ويعتبر ذلك بأن ترى عليه علاماتهم، كأسماء ملوكهم، وصورهم وصلبهم، وصور أصنامهم، ونحو ذلك. فإن كان عليه علامة الإسلام، أو اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أحد من خلفاء المسلمين، أو وال لهم، أو آية من قرآن أونحو ذلك، فهو لقطة؛ لأنه ملك مسلم لم يعلم زواله عنه. وإن كان على بعضه علامة الإسلام، وعلى بعضه علامة الكفر، فكذلك. نص عليه أحمد، في رواية ابن منصور؛ لأن الظاهر أنه صار إلى مسلم، ولم يعلم زواله عن ملك المسلمين، فأشبه ما على جميعه علامة المسلمين.

    الفصل الثاني، في موضعه، ولا يخلو من أربعة أقسام: أحدها، أن يجده في موات، أو ما لا يعلم له مالك، مثل الأرض التي يوجد فيها آثار الملك، كالأبنية القديمة، والتلول، وجدران الجاهلية، وقبورهم؛ فهذا فيه الخمس بغير خلاف، سوى ما ذكرناه. ولو وجده في هذه الأرض على وجهها، أو في طريق غير مسلوك، أو قرية خراب، فهو كذلك في الحكم؛ لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: «سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اللقطة؟ فقال: ما كان في طريق مأتي، أو في قرية عامرة، فعرفها سنة، فإن جاء صاحبها، وإلا فلك، وما لم يكن في طريق مأتي، ولا في قرية عامرة، ففيه وفي الركاز الخمس» رواه النسائي..."

    وقال: " الفصل الثالث، في صفة الركاز الذي فيه الخمس، وهو كل ما كان مالاً على اختلاف أنواعه، من الذهب والفضة والحديد والرصاص والصفر والنحاس والآنية وغير ذلك. وهو قول إسحاق، وأبي عبيد، وابن المنذر، وأصحاب الرأي، وإحدى الروايتين عن مالك، وأحد قولي الشافعي، والقول الآخر: لا تجب إلا في الأثمان. ولنا: عموم قوله - عليه السلام -: «وفي الركاز الخمس» . ولأنه مال مظهور عليه من مال الكفار،فوجب فيه الخمس مع اختلاف أنواعه، كالغنيمة.
    إذا ثبت هذا فإن الخمس يجب في قليله وكثيره، في قول إمامنا، ومالك، وإسحاق وأصحاب الرأي، والشافعي في القديم. وقال في الجديد: يعتبر النصاب فيه؛ لأنه حق مال يجب فيما استخرج من الأرض، فاعتبر فيه النصاب، كالمعدن والزرع. ولنا: عموم الحديث، ولأنه مال مخموس، فلا يعتبر له نصاب، كالغنيمة، ولأنه مال كافر مظهور عليه في الإسلام، فأشبه الغنيمة، والمعدن والزرع يحتاج إلى عمل ونوائب، فاعتبر فيه النصاب تخفيفاً، بخلاف الركاز، ولأن الواجب فيهما مواساة، فاعتبر النصاب ليبلغ حداً يحتمل المواساة منه، بخلاف مسألتنا. انتهى


    ([1]) أخرجه البخاري (1499)، ومسلم (1710) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

    ([2]) « موطأ مالك رواية أبي مصعب الزهري» (655)

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم