• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: ترك الزواج تفرغا لعبادة الله وطلبا للعلم
  • رقم الفتوى: 4547
  • تاريخ الإضافة: 10 شعبان 1441
  • السؤال
    من ترك الزواج لأجل الانقطاع والتفرغ لعبادة الله تعالى فهل يأثم؟ وهل يفرق بين طلب العلم والعبادة في حكم ذلك لأننا نسمع عن بعض العلماء أنهم لم يتزوجوا ؟
  • الاجابة

    ترك الزواج من أجل التفرغ لعبادة الله يسمى شرعاً (التَّبَتُّلُ)، وهو محرم في الإسلام، مخالف لهدي النبي ﷺ، قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: «ردّ رسول الله على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا»([1]) ، أي: منعه منه ولم يقره عليه، ولو أذن النبي ﷺ لعثمان بن مظعون بالتبتل لقطعوا الخُصى – جمع خُصية - وأزالوها أو رَضّوا الخُصى بحيث تنقطع الشهوة أو تضعف، فيقطعون بذلك أنفسهم عن النساء ويتفرّغون لعبادة الله؛ لكن هذا ليس من هدي النبي ﷺ ولم يرده.

    وصحّ عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «جاء ثلاثة رَهطٍ إلى بيوت أزواج النبي ﷺ يسألون عن عبادة النبي ﷺ، فلما أُخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي ﷺ؟ قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله ﷺ إليهم، فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»([2]). 

    ومعنى تقالّوها: رأوها قليلة، فهذا يدلّ على أنّ ترك الزواج للمبالغة في التعبُّدِ محرم شرعاً.

    أما ترك الزواج لطلب العلم الشرعي فإذا كان يخشى على نفسه الوقوع في المعصية فلا يجوز؛ لأن الزواج صار واجباً عليه شرعاً، والزواج لا يمنعه من طلب العلم الشرعي الواجب عليه.

    وأما إذا كان لا يخشى على نفسه الوقوع في المعصية، ورأى أن الزواج سيشغله عن طلب العلم، ولن يتمكن من الجمع بينهما، فله عندها أن يقدم طلب العلم الشرعي؛ لأن الزواج في حقه مستحب، وطلب العلم واجب كفائي قل من يقوم به اليوم، والواجب الكفائي يقدم على المستحب. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى

    قال البغوي في شرح السنة (9/ 5): وأراد بالتبتل: الانقطاع عن النساء، ثم يستعمل في الانقطاع إلى الله عز وجل، ومنه قوله تعالى: {وتبتل إليه تبتيلا} [المزمل: 8].
    أي: انفرد له في الطاعة، والبتول: المرأة المنقطعة عن الرجال، ويقال: سميت فاطمة البتول، لانقطاعها عن نساء الأمة فضلا ودينا وحسبا، ويقال: صدقة بتة بتلة، أي: منقطة عن الإملاك، وكان التبتل من شريعة النصارى، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عنه، ليكثر النسل، ويدوم الجهاد.
    وقال ابن عباس لسعيد بن جبير: «تزوج، فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء». انتهى 

    وقال ابن هبيرة في الإفصاح (1/ 353): في هذا الحديث من الفقه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد التبتل، وهو الانقطاع عن الناس والنساء، والبتول المنقطعة الشبه والمثل، وإنما رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التبتل على عثمان بن مظعون؛ لأنه من الرهبانية التي لم تكتب علينا، والتبتل الذي رده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابن مظعون لا يسوغ لغيره استعماله، اللهم إلا أن لا يجد الإنسان نكاحًا فليستعفف مترقبًا أن يغنيه الله من فضله، ويوجد له الطول للنكاح، أو رجل لا تتوق نفسه إلى النساء أصلاً؛ فإن هذا قد أختلف فيه، وهل الاشتغال بالنكاح له أفضل أم التخلي لنوافل العبادة؟
    والذي أراه فيه خاصة تخليه؛ لأنه مكره لنفسه، وغير معف لزوجته، وقول الفقهاء بالتخلي لنفل العبادة أراه مشيرًا إلى أن النكاح لمن تتوق نفسه إليه فوق ما يسمى نفلا... انتهى

    وقال النووي في المجموع (1/ 35): وقال الخطيب البغدادي في كتابه الجامع لآداب الراوي والسامع: يستحب للطالب أن يكون عزباً ما أمكنه ؛ لئلا يقطعه الاشتغال بحقوق الزوجة والاهتمام بالمعيشة عن إكمال طلب العلم.

    واحتج بحديث: "خيركم بعد المائتين خفيف الحاذ"، وهو الذي لا أهل له ولا ولد. وعن إبراهيم بن أدهم رحمه الله: من تعود أفخاذ النساء لم يفلح. يعني اشتغل بهن.
    وهذا في غالب الناس لا الخواص، وعن سفيان الثوري: إذا تزوج الفقيه فقد ركب البحر، فإن ولد له فقد كسر به.
     وقال سفيان لرجل: تزوجت؟ فقال: لا، قال: ما تدري ما أنت فيه من العافية. وعن بشر الحافي رحمه الله: من لم يحتج إلى النساء فليتق الله ولا يألف أفخاذهن.

    قلت -النووي-: هذا كله موافق لمذهبنا؛ فإن مذهبنا أن من لم يحتج إلى النكاح استحب له تركه، وكذا إن احتاج وعجز عن مؤنته.

    وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء"، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. انتهى 


    ([1]) أخرجه البخاري (5073)، ومسلم (1402).

    [2]) أخرجه البخاري 5063)، ومسلم (1401).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم