• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: تزويج البنت دون إذنها
  • رقم الفتوى: 4560
  • تاريخ الإضافة: 14 شعبان 1441
  • السؤال
    هل يجوز للولي أن يزوج البنت دون إذنها ؟
  • الاجابة

    إذا كانت البنت بالغة عاقلة، فلا يجوز، هذه تستأذن ويعتبر رضاها؛ لأن لها عقلاً تدرك به ما يناسبها وما لا يناسبها، وإذا لم تقبل بالزواج وزوجها أبوها أو وليها مكرهة فالزواج باطل.

    وأمّا الصغيرة التي لم تبلغ فلا معنى لإذنها؛ فلا تدرك ما يناسبها ومالا يناسبها، وما فيه مصلحة وما ليس فيه مصلحة لها، فلا اعتبار لرضاها ولا لسخطها، فيزوجها أبوها؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه زوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة لم تبلغ ([1])، واختلف أهل العلم في غير أبيها: هل له أن يزوجها قبل أن تبلغ أم لا. 

    وأما البالغة سواء كانت بكراً أو ثيباً، وسواء كان الولي أباها أو غيره يعتبر رضاها؛ فالبكر تُسـتأذن فيُقال لها مثلاً: خطبك فلان ابن فلان، فإذا سكتت أو ضحكت دلّ ذلك على رضاها ، فعن أبي هريرةرضي الله عنه  أن النبي ﷺ قال: «لا تُنكحُ الأَيِّمُ حتى تُستَأمَرَ، ولا تُنكحُ البِكرُ حتى تُستأذنَ» قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنُهَا؟ قال: «أن تَسكُتَ»([2]).

    وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله ﷺ: «البِكرُ تُستَأذن» قلت: إن البكر تستحيي؟ قال: «إِذنُها صُمَاتُهَا»([3]) متفق عليه.

    أي قالت له عائشة: تستحي المرأة البكر أن تقول أنا موافقة أو أريده، فقال النبي ﷺ في رواية أخرى: «فذلك إذنُها إذا هي سكتت»([4]).

    وفي رواية عند مسلم: «الثَّيبُ أحق بنفسها مِن وَلِيها، والبِكرُ يَستأذنُها أبوها في نفسها، وإذنُها صُماتُها»([5]) .

    أمّا الثيب؛ فليس المراد من قوله ﷺ: «الثيب أحق بنفسها من وليها » أن تعقد العقد بنفسها فتزوج نفسها من غير ولي؛ لما صحّ عن النبي ﷺ أنه قال: « لا نكاح إلّا بولي» ([6]) هذا يشمل البكر والثيب فلا يصح نكاحهما إلا بولي، وإنما يدلُّ قوله « أحق » - وهو أفعل تفضيل - أنّها أعظم حقّاً من وليها، لا على أنّها متفرِّدة بالحق، فلا يزوجها وليها إلا برضاها، فهي أحق منه في اختيار الزوج لا في عقد العقد.

    فتبين مما تقدم أنّ البنت إذا كانت كبيرة بالغة فلابد من رضاها سواء كانت بكراً أو ثيّباً، والبكر يكتفى منها بالضحك أو السكوت أو ما يدل على رضاها، وأما الثيب فلابد أن تتكلم. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى 

    قال ابن المنذر في الأوسط (8/ 271): ففي هذا الحديث النهي عن إنكاح الثيب قبل الاستئمار، وعن إنكاح البكر قبل الاستئذان، ودل هذا الحديث على أن البكر إذا نكحت قبل إذنها بالصمت أن النكاح باطل، كما يبطل نكاح الثيب قبل أن تستأمر، ودل هذا الحديث على أن البكر التي أمر باستئذانها البالغ؛ إذ لا معنى لاستئذان من لا إذن لها، إذ سكوتها وسخطها سواء.

    وقال: ذكر اختلاف أهل العلم في البكر البالغ يزوجها أبوها بغير إذنها
    اختلف أهل العلم في البكر البالغ يعقد عليها أبوها النكاح بغير إذنها؛ فقالت طائفة: إنكاحه إياها جائز وإن لم يستأذنها، كذلك قال مالك بن أنس، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.

    وقالت طائفة: لا يجوز إنكاح الأب ابنته البكر البالغ إلا بإذنها، كذلك قال الأوزاعي، وسفيان الثوري، وحكي ذلك عن ابن شبرمة. وكذلك قال أبو ثور، وأبو عبيد، وأصحاب الرأي.

    وكذلك نقول، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال قولاً عاما: "لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الثيب حتى تستأمر ". فكل من عقد نكاحاً على غير ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم باطل؛ لأنه الحجة على الخلق، إلا أن يوجد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استثنى من جملة قوله: "لا تنكح البكر حتى تستأذن "، بكراً أو ثيباً؛ فيستثنى ما استثنى، ويكون ما لم يستثنه مستعملاً فيه قول: "لا تنكح البكر حتى تستأذن ".

    فلما ثبت أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه زوج عائشة رضي الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي صغيرة لا أمر لها في نفسها، كان عقد الأب على البكر في حال الصغر - وهي لا أمر لها في نفسها - جائز، وكان ذلك مستثنى من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح البكر حتى تستأذن ".

    فإذا خرجت البكر عن حال الصغر إلى أن يصير لاستئذانها معنى، إذا صارت في حال البلوغ وصار أمرها في مالها جائزاً، خلاف الحال التي لم يكن لها أمر في مالها؛ لم يجز عقد النكاح عليها إلا بإذنها، داخلة في جملة من قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح البكر حتى تستأذن " غير خارجة منه سنة ولا إجماع.

    وقال: ذكر صفة إذن الثيب والبكر
    ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في البكر: "سكوتها رضاها ".

    وقال: وممن جعل إذنها صماتها: شريح، والشعبي، والنخعي، وابن سيرين، والثوري والأوزاعي، وابن شبرمة وأبو حنيفة النعمان. وقال الثوري، وأحمد، وإسحاق في الثيب: إذا زوجت فضحكت، أو بكت، أو سكتت فلا يجوز حتى تتكلم. وقال أبو ثور: لا يكون إذن الثيب إلا بكلام.
    قال أبو بكر: وكذلك نقول، وإذن البكر صماتها إذا عرفت أن تستأذن أن إذنها صماتها، فإذا عرفت ذلك لزمها إذا استؤذنت فصمتت. 
    انتهى 

    وقال (8/ 280): أجمع عوام أهل العلم على أن إنكاح الأب ابنته الثيب بغير رضاها لا يجوز، هذا قول مالك بن أنس، وسفيان الثوري،والشافعي رحمه الله وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور.
    وقد روينا عن الحسن أنه قال: نكاح الأب جائز على ابنته، بكرا كانت أم ثيبا، كرهت أو لم تكره.
    عن الحسن أنه قال ذلك، وقال النخعي: يزوج الرجل ابنته إذا كانت في عياله ولا يستأمرها، فإذا كانت نائية في بيتها استأمرها.

    قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول، لحديث خنساء، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الثيب حتى تستأمر " دخل في ذلك جميع الأولياء الثيبات والأبكار، إلا الصغيرة البكر التي لا أمر لها فإنها مخصوصة بالسنة.

    وقال (8/ 282): أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن إنكاح الأب لابنته البكر الصغيرة جائز إذا زوجها من كفؤ. 

    كذلك قال مالك فيمن تبعه من أهل المدينة، وبه قال سفيان الثوري ومن قال بقوله من أهل العراق، وهو قول الليث بن سعد فيمن وافقه من أهل مصر، وكذلك قال الأوزاعي وأهل الشام، وهو قول عبيد الله بن الحسن، والشافعي رحمه الله وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وحجتهم في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها.
    قال أبو بكر: وكذلك نقول.
    واختلفوا في الجد يزوج ابنة ابنه، فكان الشافعي رحمه الله، والنعمان، ومحمد بن الحسن، يقولون: يقوم الجد مقام الأب في تزويج الصغيرة.
    وحكي عن مالك أنه قال: لا ينكحها إلا الأب، وذلك أن نفقتها تلزم الأب، ولا تلزم الجد مع ما جاء في الأب من الأحاديث.

    واختلفوا في إنكاح سائر الأولياء اليتيمة الصغيرة.
    فكان مالك، والشافعي رحمه الله والماجشون عبد الملك، وأبو عبيد، وأبو ثور يقولون: ليس لغير الأب أن يزوج اليتيمة الصغيرة، فإن فعل فالنكاح باطل، وهذا قول أحمد بن حنبل.
    وكان سفيان الثوري يقول: لا يجوز إنكاح الأخ والعم الصغيرة إلا أن تكون قد بلغت فيستأمرها.
    وقال ابن أبي ليلى في الصغير يزوجه غير الأب: لا يجوز ذلك عليه حتى يدرك.
    وحكى أبو عبيد، عن ابن أبي مريم، عن مالك بن أنس: أنه كان يرى نكاح الولي الذي ليس بأب جائزاً على الغلام، وكان يفرق بين الذكر والأنثى في ذلك، قال: لأن الغلام إذا أدرك كان الطلاق إليه، والجارية لا تقدر على ذلك.
    وحكى آخر من البصريين، عن مالك أنه قال: إذا زوج الصغيرين غير الأب فلهما الخيار إذا بلغا، إن أحبا افترقا فيكون تطليق.
    وقالت طائفة: إذا زوج الصغيرين غير الأب كان لهما الخيار إذا بلغا. روي هذا القول عن الحسن، وعمر بن عبد العزيز، وطاوس، وعطاء بن أبي رباح، وقتادة، وكذلك قال ابن شبرمة، والأوزاعي، وكان أحمد بن حنبل يقول: لا أرى للولي ولا للقاضي أن يزوج اليتيمة حتى تبلغ تسع سنين فإذا بلغت تسع سنين فلا خيار لها. انتهى باختصار

    وقد رد ابن تيمية قول الذين يجيزون للأب أن يجبر ابنته البكر البالغ على الزواج، بكلام نفيس واف، تجده في مجموع الفتاوى (32/ 22). 


    ([1]) أخرجه البخاري (5133)، ومسلم (1422).

    ([2]) أخرجه البخاري (5136)، ومسلم (1419).

    ([3]) أخرجه البخاري (6971)، ومسلم (1420) واللفظ للبخاري.

    ([4]) تقدم تخريج في الحديث الذي قبله، واللفظ لمسلم.

    ([5]) أخرجه مسلم 1421) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.

     ([6]) أخرجه أحمد 32/280)، وأبو داود (2085)، والترمذي (1101)، وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم