• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: خطبة الرجل على الرجل
  • رقم الفتوى: 4590
  • تاريخ الإضافة: 14 شعبان 1441
  • السؤال

    أريد خطبة امرأة ولكنني علمت أن رجلاً سبقني وخطبها، فهل يجوز لي خطبتها؟

  • الاجابة

    تحرُم الخِطبة على الخِطبة، أي أن خِطبة المرأة مُحرَّمة إذا خطبها مسلم؛ لقول النبي ﷺ: « ولا يَخطُب على خِطبة أخيه حتى ينكح أو يترك »([1])، وفي رواية: « إلّا أن يأذن له » ([2]) متفق عليه ، وتحريم ذلك ليس بمجرد أن يطلب المسلم المرأة يحرم عليك طلبها، بل بأن يُصَرَّح له بالقبول، أو تدل علامات عليه، ولم يأذن لأحد بخطبتها، ولا ترك هو ذلك.

    وهذا النهي فيما لو كان الخاطب رجلاً مسلماً؛ لأن النبيقال : « ولا يخِطب على خِطبة أخيه »([3]) فليس داخلاً في النهي الكافر؛ اليهودي والنصراني إذا طلبا امرأة يهودية أو نصرانية وأراد المسلم أن يتزوجها، فلا يقال له لا تخطب على خطبة اليهودي أو النصراني؛ لأنّه ليس أخاً له.

    والنهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه المسلم لئلا تحدث العداوة والبغضاء في قلوب المسلمين بعضهم على بعض، وهذا المعنى غير موجود في اليهودي والنصراني فيختص بالمسلم وليس في ذلك حق لغير المسلم حتى يُحترم.

    وأمّا قولنا بأنّه ليس بمجرد أن يطلب الرجل المرأة يَحرُم على الآخر أن يطلبها؛ فقلنا هذا جمعاً بين حديثين: الأول: « ولا يخطِب على خِطبة أخيه حتى ينكح أو يترك ».

    والثاني: ما جاء في «صحيح مسلم»: أن فاطمة بنت قيس بعدما طلّقها زوجها قال لها النبي ﷺ: « إذا حللت فآذنيني »، فجاءته وأخبرته أنّ معاوية وأبا جهم خطباها، ومع علمه بذلك، بعد أن أعلمته أنّ معاوية وأبا جهم خطباها، قال لها ﷺ: « أما معاوية فصعلوكٌ لا مال له، وأمّا أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه -يعني: يكثر من ضرب النساء- انكحي أسامة بن زيد »([4]) فحصلت الخِطبة من النبي ﷺ لأسامة بن زيد ، فجمعنا بين الحديثين بأن قلنا: إن النهي عن الخِطبة على خطبة المسلم إنما يكون في حال أن المرأة خُطِبَت للأول وركنت إليه وقبلت به، أما إذا خُطِبت - مجرد طلب - بدون أن تركن إلى الرجل الذي طلبها وتقبل به، فيجوز للآخر أن يخطبها. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى 

    قال الترمذي في جامعه (1134): قال مالك بن أنس: إنما معنى كراهية أن يخطب الرجل على خطبة أخيه: إذا خطب الرجل المرأة فرضيت به فليس لأحد أن يخطب على خطبته.

    وقال الشافعي: معنى هذا الحديث لا يخطب الرجل على خطبة أخيه هذا عندنا: إذا خطب الرجل المرأة فرضيت به وركنت إليه فليس لأحد أن يخطب على خطبته، فأما قبل أن يُعلم رضاها أو ركونها إليه فلا بأس أن يخطبها.
    والحجة في ذلك حديث فاطمة بنت قيس حيث جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أبا جهم بن حذيفة ومعاوية بن أبي سفيان خطباها، فقال: أما أبو جهم فرجل لا يرفع عصاه عن النساء، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، ولكن انكحي أسامة.
    فمعنى هذا الحديث عندنا -والله أعلم- : أن فاطمة لم تخبره برضاها بواحد منهما، ولو أخبرته لم يشر عليها بغير الذي ذكرت. انتهى

    وقال ابن المنذر في الأوسط (8/ 240): وقوله: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه " نهيا عن أن يخطب الرجل على خطبة أخيه المسلم، وإباحة أن يخطب على خطبة اليهودي والنصراني؛ لأن الأمور كانت على الإباحة حتى نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يخطب المرء على خطبة أخيه، فوقع النهي على خطبة المسلم، وثبتت الإباحة التي كانت قبل النهي في الخطبة على من ليس بأخ للمسلم. قال الله: {إنما المؤمنون إخوة} الآية. انتهى وانظر (8/ 244).

    وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (9/ 197): هذه الأحاديث ظاهرة في تحريم الخطبة على خطبة أخيه، وأجمعوا على تحريمها إذا كان قد صُرِّح للخاطب بالإجابة ولم يأذن ولم يترك.

    فلو خطب على خطبته وتزوج والحالة هذه عصى وصح النكاح ولم يفسخ، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال داود: يفسخ النكاح، وعن مالك روايتان كالمذهبين، وقال جماعة من أصحاب مالك: يفسخ قبل الدخول لا بعده.

    أما إذا عُرِّض له بالإجابة ولم يُصرح ففي تحريم الخطبة على خطبته قولان للشافعي، أصحهما: لا يحرم، وقال بعض المالكية: لا يحرم حتى يرضوا بالزوج ويسمى المهر، واستدلوا لما ذكرناه من أن التحريم إنما هو إذا حصلت الإجابة بحديث فاطمة بنت قيس، فإنها قالت: خطبني أبو جهم ومعاوية ، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم خطبة بعضهم على بعض، بل خطبها لأسامة، وقد يُعترض على هذا الدليل فيقال: لعل الثاني لم يعلم بخطبة الأول، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فأشار بأسامة لا أنه خطب له ، واتفقوا على أنه إذا ترك الخطبة رغبة عنها وأذن فيها جازت الخطبة على خطبته وقد صرح بذلك في هذه الأحاديث. 

    وقوله صلى الله عليه وسلم: "على خطبة أخيه"، قال الخطابي وغيره ظاهره اختصاص التحريم بما إذا كان الخاطب مسلماً، فإن كان كافراً فلا تحريم، وبه قال الأوزاعي، وقال جمهور العلماء: تحرم الخطبة على خطبة الكافر أيضاً، ولهم أن يجيبوا عن الحديث بأن التقييد بأخيه خرج على الغالب، فلا يكون له مفهوم يعمل به؛ كما في قوله تعالى {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق}، وقوله تعالى {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم}، ونظائره.

    واعلم أن الصحيح الذي تقتضيه الأحاديث وعمومها: أنه لا فرق بين الخاطب الفاسق وغيره، وقال ابن القاسم المالكي: تجوز الخطبة على خطبة الفاسق. انتهى 


    ([1]) أخرجه البخاري (5143) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

    ([2]) أخرجها البخاري (5142)، ومسلم (1412) من حديث ابن عمر رضي الله عنه.

    ([3]) تقدم تخريجه.

    ([4]) أخرجه مسلم 1480) من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم