• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: البيعة وبعض أحكامها
  • رقم الفتوى: 4561
  • تاريخ الإضافة: 14 شعبان 1441
  • السؤال

    ما هي البيعة؟

    وما الفرق بينها وبين السمع والطاعة؟

    ولمن تكون؟

    وما حكمها؟

    وما كيفيتها؟

    وما فوائد البيعة؟

  • الاجابة

    ما هي البيعة؟

    باختصار البيعة الشرعية: هي معاهدة ولي الأمر المسلم على السمع والطاعة في غير معصية الله.

    قال ابن منظور: البيعة: الصَّفْقةُ على إِيجاب البيع، وعلى المُبايعةِ والطاعةِ. والبيعة: المُبايعةُ والطاعةُ. وَقَدْ تبايَعُوا عَلَى الأَمر: كقولك أَصفقوا عَلَيْهِ، وبايَعه عَلَيْهِ مُبايَعة: عاهَده. وبايَعْتُه من البيْع والبَيْعةِ جميعاً، والتَّبايُع مِثْلَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنه قَالَ: أَلا تُبايِعُوني عَلَى الإِسلام؟ هو عبارة عَنِ المُعاقَدةِ والمُعاهَدةِ، كأَن كل واحد منهما باعَ مَا عِنْدَهُ من صاحبه، وأَعطاه خَالِصَةَ نَفْسِه وطاعَتَه ودَخِيلةَ أَمره، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْحَدِيثِ. 

    وقال ابن خلدون: البيعة: العهد على الطّاعة؛ كأنّ المبايع يعاهد أميره على أنّه يسلّم له النّظر في أمر نفسه وأمور المسلمين لا ينازعه في شيء من ذلك ويطيعه فيما يكلّفه به من الأمر على المنشّط والمكره.

    وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، فسمّي بيعة، مصدر باع، وصارت البيعة مصافحة بالأيدي.

    هذا مدلولها في عرف اللّغة ومعهود الشّرع.

    وهو المراد في الحديث في بيعة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة وعند الشّجرة، وحيثما ورد هذا اللّفظ. (1).

    وما الفرق بينها وبين السمع والطاعة؟

    بتعريف البيعة، يظهر الفرق بينها وبين السمع والطاعة، فهي عهد على السمع والطاعة.

    والسمع تسمع أوامر ولي الأمر الذي بايعته، وتطيعها ولا تخرج عن طاعته في غير معصية الله. 

    ولمن تكون؟

    تكون للمسلم الذي استقرت له الأمور، وسيطر على الحكم بالطريقة المشروعة أو بغيرها، فله حق البيعة ما دام على الإسلام، هذا هو الضابط: (الإسلام)، حتى لو كان فاسقاً. 

    وأما الكافر كالشيوعي والعلماني واليهودي والنصراني وغيرهم فلا بيعة له.

    وأما الحاكم بغير ما أنزل الله، فهذا راجع إلى كفره بذلك أو لا، فمتى كفر به كالمستحل فلا بيعة له، وإذا لم يكفر كالمكره فبيعته ثابتة لأنه مسلم. 

    قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل، قال: وكذا لو ترك إقامة الصلوات، والدعاء إليها. انتهى (2) 

    وقال الشنقيطي: إذا طرأ على الإمام الأعظم فسق، أو دعوة إلى بدعة. هل يكون ذلك سببا لعزله والقيام عليه أو لا؟ قال بعض العلماء: إذا صار فاسقا، أو داعيا إلى بدعة جاز القيام عليه لخلعه. والتحقيق الذي لا شك فيه أنه لا يجوز القيام عليه لخلعه إلا إذا ارتكب كفرا بواحا عليه من الله برهان.

    فقد أخرج الشيخان في «صحيحيهما» عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: «إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان» .

    وفي «صحيح مسلم» من حديث عوف بن مالك الأشجعي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم» قالوا: قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: «لا ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة، إلا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة» .

    وفي «صحيح مسلم» أيضا: من حديث أم سلمة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع» . قالوا: يا رسول الله أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا ما صلوا» .

    وأخرج الشيخان في «صحيحيهما» من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر ; فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت، إلا مات ميتة جاهلية» .

    وأخرج مسلم في «صحيحه» من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» والأحاديث في هذا كثيرة.

    فهذه النصوص تدل على منع القيام عليه، ولو كان مرتكبا لما لا يجوز، إلا إذا ارتكب الكفر الصريح الذي قام البرهان الشرعي من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم – أنه كفر بواح؛ أي: ظاهر باد لا لبس فيه.

    وقد دعا المأمون والمعتصم والواثق إلى بدعة القول: بخلق القرآن، وعاقبوا العلماء من أجلها بالقتل، والضرب، والحبس، وأنواع الإهانة، ولم يقل أحد بوجوب الخروج عليهم بسبب ذلك. ودام الأمر بضع عشرة سنة حتى ولي المتوكل الخلافة، فأبطل المحنة، وأمر بإظهار السنة.

    واعلم أنه أجمع جميع المسلمين على أنه لا طاعة لإمام ولا غيره في معصية الله تعالى. وقد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة الصريحة التي لا لبس فيها، ولا مطعن كحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» أخرجه الشيخان، وأبو داود.

    وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في السرية الذين أمرهم أميرهم أن يدخلوا في النار: «لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا ; إنما الطاعة في المعروف» وفي الكتاب العزيز: {ولا يعصينك في معروف}(3).

    وما حكمها؟

    واجبة، على أهل الحل والعقد بالقول والمباشرة باليد، وعلى غيرهم بالإقرار بها واعتقاد دخوله تحت الطاعة.

    قال القرطبيّ - رحمه الله -: البيعة واجبة على كلّ مسلم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتةً جاهليّة"، رواه مسلم، غير أنه من كان من أهل الحلّ والعقد، والشهرة، فبيعته بالقول، والمباشرة باليد، إن كان حاضرًا، أو بالقول والإشهاد عليه، إن كان غائبًا، ويكفي من لا يؤبه له، ولا يُعرف أن يعتقد دخوله تحت طاعة الإمام، ويَسمع، ويُطيع له في السرّ والجهر، ولا يعتقد خلاف ذلك، فإن أضمره، فمات مات مِيتَةً جاهليّة؛ لأنه لم يجعل في عنقه بيعة. انتهى.

    قال الإثيوبي : قوله: "واجبة على كلّ مسلم. . . إلخ" هذا إذا كان للمسلمين إمام، أما إذا لم يكن لهم إمام، وكانوا فوضَى، فلا وجوب؛ لحديث حذيفة المتّفق عليه، واللفظ للبخاريّ، قال: كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يُدركني، فقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ ، قال: "نعم"، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دَخَنٌ"، قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يَهدُون بغير هديي، تَعرف منهم وتُنكر" قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم دُعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها، قذفوه فيها"، قلت: يا رسول الله، صِفْهم لنا، فقال: "هم من جِلْدَتنا، ويتكلمون بألسنتنا"، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين، وإمامهم" قلت: فإن لم يكن لهم جماعة، ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تَعَضّ بأصل شجرة، حتى يُدركك الموت، وأنت على ذلك".

    فهذا الحديث صريح في أن وجوب لزوم الجماعة إنما يكون إذا وُجدت الجماعة، وكان لها إمام، وأما إذا لم يكن كذلك، فالواجب اعتزال الفِرَق كلها، فرارًا بدينه، كما أمره به النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والله تعالى أعلم بالصواب. انتهى (4)

    وأهل الحل والعقد هم: العلماء والرؤساء ووجوه الناس(5).  

    وما كيفيتها؟

    قال القرطبي: غير أنه من كان من أهل الحلّ والعقد، والشهرة، فبيعته بالقول، والمباشرة باليد، إن كان حاضرًا، أو بالقول والإشهاد عليه، إن كان غائبًا، ويكفي من لا يؤبه له، ولا يُعرف أن يعتقد دخوله تحت طاعة الإمام، ويَسمع، ويُطيع له في السرّ والجهر، ولا يعتقد خلاف ذلك، فإن أضمره، فمات مات مِيتَةً جاهليّة؛ لأنه لم يجعل في عنقه بيعة. انتهى (6).

    وما فوائدها؟ 

    هي فوائد تنصيب الإمام 

    قال أبو عبد الله القلعي الشافعي: أجمعت الأمة قاطبة -إلا من لا يعتد بخلافه- على وجوب نصب الإمام على الإطلاق، وإن اختلفوا في أوصافه وشرائطه.

    فأقول: نظام أمر الدين والدنيا مقصود، ولا يحصل ذلك إلا بإمام موجود، لو لم نقل بوجوب الإمامة لأدى ذلك إلى دوام الاختلاف والهرج إلى يوم القيامة، لو لم يكن للناس  إمام مطاع لانثلم شرف الإسلام وضاع، لو لم يكن للأمة إمام قاهر لتعطلت المحاريب والمناظر، وانقطعت السبل للوارد والصادر، لو خلا عصر من إمام لتعطلت فيه الأحكام وضاعت الأيتام ولم يحج البيت الحرام.

    لولا الأئمة والقضاة والسلاطين والولاة لما نكحت الأيامى ولا كفلت اليتامى، لولا السلطان لكانت الناس فوضى ولأكل بعضهم بعضاً، وفي الحديث: "السلطان ظل الله في الأرض يأوي إليه كل مظلوم"

    وقال عثمان رضي الله عنه: "ما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن"، ومعنى يزع أي يمنع ويكف ويردع.

    وقال بعض القدماء: الدين والسلطان توأمان، وقيل: الدين أس، والسلطان حارس، فما لا أس له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع.

    وقال عمرو بن العاص: إمام عادل خير من مطر وابل، وأسد حطوم خير من سلطان غشوم ، وسلطان غشوم خير من فتنة تدوم.

    وقال كعب الأحبار: مثل الإسلام والسلطان مثل عمود وفسطاط، فالفسطاط الإسلام والعمود السلطان والأوتاد الناس، ولا يصلح بعضهم إلا ببعض.

    وقال الأفوه الأودي: 

    لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم.. ولا سراة إذا جهالهم سادوا.

    كالبيت لا يبتنى إلا له عمد..ولا عمود إذا لم ترسى أوتاد

    فإن تجمع أوتاد وأعمدة ... وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا

    وقال ابن المعتز: فساد الرعية بلا ملك؛ كفساد الجسم بلا روح.  وقال بعض البلغاء: السلطان زمام الملة، ونظام الجملة، وجلاء الغمة، ورباط البيضة، وعماد الحوزة. وقال آخر: السلطان يدافع عن سواد الأمة ببياض الدعوة. انتهى (7)

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) انظر لسان العرب (8/ 26)، والنهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 174)، ومقدمة ابن خلدون (1/ 261)، والمفهم للقرطبي (4/ 44)، وشرح صحيح مسلم للنووي (12/ 229)

    (2) شرح صحيح مسلم للنووي (12/ 229)

    (3) أضواء البيان (1/ 28)

    (4) انظر المفهم للقرطبي (4/ 44) والبحر المحيط الثجاج (32/ 94).

    (5) شرح صحيح مسلم للنووي (12/ 77)

    (6) المفهم للقرطبي (4/ 44).

    (7) تهذيب الرياسة وترتيب السياسة (ص74)

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم