• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: النكاح بغير ولي
  • رقم الفتوى: 4601
  • تاريخ الإضافة: 21 شعبان 1441
  • السؤال

    هل يصح النكاح بغير ولي؟ بأن تتزوج المرأة بنفسها دون علم أهلها؟

  • الاجابة

    لا يصحّ النّكاح إلّا بوليٍّ؛ لقول النبي ﷺ: « لا نكاح إلّا بوليٍّ »([1]) فدل هذا الحديث على أنّ النّكاح لا يصح إلّا بوليٍّ، سواء كانت المرأة بكراً أو ثيباً، وذكر بعض أهل العلم أنه لا خلاف بين الصحابة في هذا([2])، وهو القول المعروف المشهور عند السلف، فلا عبرة بمخالفة من خالف بعد ذلك. والله أعلم 

    وهناك أدلة أخرى استدل بها العلماء على شرطية الوليِّ في النّكاح منها: قول الله تبارك وتعالى{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ... } [البقرة الآية 232].

    قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: «هي أصرح آية في اعتبار الوليِّ وإلّا لما كان لعضله معنى»([3]) ، والعضل هو: منع وليِّ المرأةِ المرأةَ التزويج.

    فلماذا ينهاه الله سبحانه وتعالى عن عضل المرأة - أي منعها من التزويج - إذا كان الزواج يصحّ من غير أمره، فلا ينهاه عن ذلك إلّا ويكون له أمر وأنّ الزواج لا يصحّ إلّا بموافقته.

    وكذلك قول رسول الله ﷺ: « أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل باطل باطل، فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان وليُّ من لا وليَّ له »([4]) .

    هذه الأدلة كلّها تدلّ على شرطية الوليِّ في النّكاح، وأنّ النكاح من غير ولي لا يصحّ، هذا مذهب جمهور العلماء، وهو الذي عليه الصحابة رضي الله عنهم الذين نقل قولهم فيه. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى 

    قال الترمذي في جامعه (1102): والعمل في هذا الباب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس وأبو هريرة وغيرهم.
    وهكذا روي عن بعض فقهاء التابعين أنهم قالوا: لا نكاح إلا بولي. منهم : سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وشريح، وإبراهيم النخعي، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم.
    وبهذا يقول سفيان الثوري، والأوزاعي، وعبد الله بن المبارك، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. انتهى

    وقال ابن المنذر في الإشراف (5/ 13): واختلف أهل العلم في النكاح بغير ولي.
    فقال كثير من أهل العلم: لا نكاح إلا بولي، روي هذا القول عن عمر بن الخطاب، وعن علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة، وبه قال سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، وجابر بن زيد، والثوري، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وابن المبارك، والشافعي، وعبيد الله بن الحسن، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد.
    وفيه قول ثان: وهو أن الولي والسلطان إذا أجازه جاز، وإن عقد بغير ولي، روينا هذا القول عن علي بن أبي طالب، وابن سيرين، والقاسم بن محمد، والحسن بن صالح، وإسحاق، وأبي يوسف.
    وفيه قول ثالث: وهو أنها إذا تزوجت بغير إذن وليها كفواً لها، جائز، كذلك قال الشعبي، والزهري.
    وفيه قول رابع: وهو قول من فرق بين المسكينة، والمعتقة، ومن كل امرأة لها قدر وغنى، وكان مالك يقول: إذا لم يكن لها خطب فلا بأس أن تستخلف على نفسها من يزوجها، فأما كل امرأة لها قدر وغنى، فلا ينبغي لها أن يزوجها إلا الأولياء أو السلطان.
    وفيه قول خامس: وهو أن البكر أو الثيب إذا زوجت نفسها بشاهدين وهو كفء فهو جائز، هذا قول النعمان.
    وقال محمد: إن زوجت بغير إذن ولي، فالنكاح موقوف حتى يجيزه القاضي أو الولي. 

    قال أبو بكر -ابن المنذر-: أما تفريق مالك بين المسكينة والتي لها قدر وغنى، فغير جائز؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قد ساوى بين أحكامهن في الدماء فقال: "المسلمون تكافؤ دماؤهم".
    وإذا كانوا في الدماء سواء، فهم في غير ذلك شيء واحد.

    وأما ما قال النعمان، فمخالف للسنة، خارج عن قول أكثر أهل العلم، وبالخبر عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نقول: ويدل قوله: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} الآية، على أن للولي منع المرأة من نفسها؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم -، لما أنزل الله تعالى هذه الآية دعا معقلاً حتى زوج أخته من الرجل الذي خطبها.

    واختلفوا في الولي، فقالت طائفة: الأولياء العصبة، هكذا قال مالك، والليث بن سعد، والثوري، والشافعي.
    وخالفهم أبو ثور وقال: كل من لزمه اسم ولي، يعقد النكاح، وبه قال محمد بن الحسن. انتهى

    وانظر الأدلة والتفصيل في الأوسط (8/ 259) له. 


    ([1]) أخرجه أحمد 19518)، وأبو داود (2085)، والترمذي (1011)، وابن ماجه (1881)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

    ([2]) قال ابن المنذر في الأوسط (8/ 268): والذي نقول به القول الأول، وذلك لقول الله - جل ذكره -: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف}، يقال: إن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار... والأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا نعلم أن أحداً من أصحاب رسول الله ثبت عنه خلاف ما قلنا، وإذا ثبت الشيء بكتاب الله وسنن رسول الله لم يجز تركه لشيء. انتهى باختصار،  وانظر الحاوي الكبير للماوردي (9/ 42).

    ([3]) انظر « إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري » (8/49) للقسطلاني.

    ومعنى ما ذكر عن الشافعي في « الأم » له (5/13).

    ([4]) أخرجه أحمد (40/243)، وأبو داود (2083)، والترمذي (1102)، وابن ماجه (1879) من حديث عائشة رضي الله عنها.

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم