• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: نفي الإيمان عن الزاني حقيقته ومعناه
  • رقم الفتوى: 4628
  • تاريخ الإضافة: 21 شعبان 1441
  • السؤال

    هل يفهم من قول النبي ﷺ: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن » نفي صحة إيمان الزاني وأنه كافر؟

  • الاجابة

    لا يفهم منه هذا باتفاق أهل السنة والجماعة، وإنما فهم منه التكفير بالذنوب الخوارج، الذي يفهم منه نفي كمال الإيمان الواجب عن الزاني، فهو مؤمن، ولكن إيمانه ناقص بسبب ذنبه هذا، نقصاً يستحق العقاب عليه.

    فأصل الإيمان موجود؛ لأننا لو قلنا إنّه نفي لأصل الإيمان تعارض هذا الحديث مع حديث أبي ذر؛ أن رسول الله ﷺ قال: « من قال لا إله إلا الله دخل الجنة » قال أبو ذر: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله، قال: « وإن زنى وإن سرق »، حتى قال: « وإن زنى وإن سرق وإن رغم أنف أبي ذر»([1]). وغيره من الأدلة.

    فحديث أبي ذر هذا يدل على أنّ الزاني يدخل الجنة في نهاية أمره، إذن نفي الإيمان عنه نفي لكمال الإيمان الواجب.

    ولا يحمل هذا على نفي الكمال المستحب.

    قال أهل العلم: « إنّ النفي لا يأتي على نفي الكمال المستحب البتة»، لا ينفي الله -تبارك وتعالى- العمل ويكون المعنى المراد من ذلك نفي الكمال المستحب البتة، إذا نفى العمل إمّا أن يكون لنفي الصحة أو لنفي الكمال الواجب، وقد علمت أن نفي الصحة هنا لا يصح. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى.

    قال محمد بن علي: " هذا الإسلام - ودور دائرة في وسطها دائرة أخرى- وهذا الإيمان التي في وسطها مقصور في الإسلام، قال: فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» يخرج من الإيمان إلى الإسلام ولا يخرج من الإسلام، فإذا تاب تاب الله عليه قال: رجع إلى الإيمان ".

    وقال الزهري: يتلو الحديث، يعني: عن عامر بن سعد حين قال الرجل: يا رسول الله إنه مؤمن، قال النبي عليه السلام: «أو مسلم» ، قال الزهري: فنرى أن الإسلام الكلمة، والإيمان العمل. وهو حديث متأول، والله أعلم

    أخرجهما الخلال في السنة (4/ 10) وغيره.

    وأخرجه الآجري في الشريعة (2/ 592)، وقال: ما أحسن ما قاله محمد بن علي رضي الله عنهما، وذلك أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، والإسلام لا يجوز أن يقال: يزيد وينقص وقد روى جماعة ممن تقدم أنهم قالوا: إذا زنى نزع منه الإيمان، فإن تاب رده الله إليه، كل ذلك دليل على أن الإيمان يزيد وينقص، والإسلام ليس كذلك، ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة، فمن ترك الصلاة فقد كفر» وعن ابن مسعود قال: " إن الله تعالى: قرن الزكاة في كتابه مع الصلاة، فمن لم يزك فلا صلاة له ". انتهى

    وقال ابن أبي زمنين في أصول السنة (ص227): "في الأحاديث التي فيها نفي الإيمان بالذنوب"

    والأحاديث في هذا الباب كثيرة وربما ذكرت لك شيئاً مما يستدل به على معاني ما ضاهاها مما لم أذكره، وتحريف تأويلها كفر الخوارج الناس بصغار الذنوب وكبارها، منها ما حدثني به:.." وذكر هذا الحديث وغيره، ثم قال: 

    "فهذه الأقوال المذمومة في هذه الأحاديث لا تزيل إيماناً ولا توجب كفراً، وقد قال بعض العلماء معناها: التغليظ ليهاب الناس الأفعال التي ذكر الحديث أنها تنفي الإيمان وتجانبه.

    وقال بعضهم: المراد بها أنها تنفي من الإيمان حقيقته وإخلاصه فلا يكون إيمان من يرتكب هذه المعاصي خالصاً حقيقياً كحقيقة إيمان من لا يرتكبها.

    لأهل الإيمان علامة يعرفون بها، وشروط ألزموها، ينطق بها القرآن والآثار، فإذا نظر إلى من خالط إيمانه هذه المعاصي قيل ليس مما وصف به أهل الإيمان، فنفت هذه حينئذ حقيقة الإيمان وتمامه، وهذا التأويل أشبه. والله أعلم.

    ويصدقه عندي قول عمر رضي الله عنه: "لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يدع المراء وهو محق، والكذب في المزاح". 

    ومثل ذلك أيضاً قول عبد الله بن عمرو: "لا يؤمن العبد كل الإيمان حتى لا يأكل إلا طيباً، ويتم الوضوء على المكاره، ويدع الكذب ولو في المزاح". انتهى كلامه باختصار. 

    وقال ابن باز في تعليقه على صحيح البخاري (2/ 346):  يعني المراد كمال الإيمان ينزع كماله الواجب، ويبقى معه إسلامه، فلا حجة فيه للخوارج. انتهى 

    وقال ابن عثيمين في شرحه على الواسطية (2/ 243): هذا مثال ثان للإيمان الذي يراد به الإيمان المطلق، أي: الكامل.
    قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن": هنا نفى عنه الإيمان الكامل حين زناه، أما بعد أن يفرغ من الزنى؛ فقد يؤمن؛ فقد يلحقه الخوف من الله بعد أن يتم الزنى فيتوب، لكن حين إقدامه على الزنى لو كان عنده إيمان كامل، ما أقدم عليه، بل إيمانه ضعيف جدًّا حين أقدم عليه.
    وتأمل قوله: "حين يزني": احترازًا من أنه قبل الزنى وبعده تختلف حاله، لأن الإنسان ما دام لم يفعل الفاحشة، ولو هم بها، فهو على أمل ألا يقدم عليها.
    وقوله: "ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن"، أي: كامل الإيمان، لأن الإيمان يردعه عن سرقته.
    وقوله: "ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"، أي: كامل الإيمان.
    "ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم": "ذات شرف"، أي: ذات قيمة عند الناس، ولهذا يرفعون إليه أبصارهم؛ فلا ينتهبها حين ينتهبها وهو مؤمن، أي: كامل الإيمان.هذه أربعة أشياء: الزنى (وهو الجماع في فرج حرام)، والسرقة (وهي أخذ المال المحترم على وجه الخفية من حرز مثله)، وشرب الخمر (والمراد تناوله بأكل أو شرب، والخمر كل ما أسكر على وجه اللذة والطرب)، والنهبة التي لها شرف وقيمة عند الناس (قيل: الانتهاب: أخذ المال على وجه الغنيمة)؛ لا يفعل هذه الأشياء الأربعة أحد وهو مؤمن بالله حين فعله لها.
    فالمراد بنفي الإيمان هنا: نفي تمام الإيمان. انتهى 

    قال ابن تيمية: وقوله: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو حين ينهبها مؤمن» .
    وذلك لأن نفي الإيمان وكونه من المؤمنين ليس المراد به ما يقوله المرجئة أنه ليس من خيارنا، فإنه لو ترك ذلك لم يلزم أن يكون من خيارهم، وليس المراد به ما يقوله الخوارج إنه صار كافراً، ولا ما يقوله المعتزلة من أنه لم يبق معه من الإيمان شيء، بل هو مستحق للخلود في النار لا يخرج منها.
    فهذه كلها أقوال باطلة، قد بسطنا الكلام عليها في غير هذا الموضع، ولكن المؤمن المطلق في باب الوعد والوعيد، وهو المستحق لدخول الجنة بلا عقاب، هو المؤدي للفرائض المجتنب المحارم، وهؤلاء هم المؤمنون عند الإطلاق، فمن فعل هذه الكبائر لم يكن من هؤلاء المؤمنين، إذ هو متعرض للعقوبة على تلك الكبيرة.
    وهذا معنى قول من قال: أراد به نفي حقيقة الإيمان، أو نفي كمال الإيمان، فإنهم لم يريدوا نفي الكمال المستحب، فإن ترك الكمال المستحب لا يوجب الذم والوعيد، والفقهاء يقولون: الغسل ينقسم إلى: كامل ومجزئ، ثم من عدل عن الغسل الكامل إلى المجزئ لم يكن مذموماً، فمن أراد بقوله نفي كمال الإيمان أنه نفى الكمال المستحب فقد غلط، وهو يشبه قول المرجئة، ولكن يقتضي نفي الكمال الواجب، وهذا مطرد في سائر ما نفاه الله ورسوله، مثل قوله: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا} [الأنفال: 2] إلى قوله: {أولئك هم المؤمنون حقا} [الأنفال: 4] .
    ومثل الحديث المأثور: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له» ومثل قوله: «لا صلاة إلا بأم القرآن» وأمثال ذلك.

    فإنه لا ينفي مسمى الاسم إلا لانتفاء بعض ما يجب في ذلك، لا لانتفاء بعض مستحباته، فيفيد هذا الكلام أن من فعل ذلك فقد ترك الواجب الذي لا يتم الإيمان الواجب إلا به، وإن كان معه بعض الإيمان، فإن الإيمان يتبعض ويتفاضل كما قال: «يخرج من النار من في قلبه ذرة من الإيمان». انتهى المراد من مجموع الفتاوى (5/ 132).


    ([1]) أخرجه البخاري 5827)، ومسلم (94) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم