• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: شروط الزواج
  • رقم الفتوى: 4653
  • تاريخ الإضافة: 1 رمضان 1441
  • السؤال

    كثير من الأزواج يهمل الشروط التي اشترطت عليه من المرأة قبل الزواج، فما حكم ذلك بارك الله فيكم ؟

  • الاجابة

    يَجِبُ على الزَّوْجِ الوَفَاءُ بِشَرْطِ الزَّوجةِ إلّا إذا كانَ الشَّرطُ مُخالفاً لشَرعِ اللهِ. 
    قال النبي ﷺ: « أحقّ الشروط أن تُوفوا به ما استحللتم به الفروج »([1]).

    فأيّ شرط تشترطه المرأة على زوجها، وأيّ شرط يشترطه الزوج على زوجته عند العقد؛ وجب على كلٍّ منهما أن يتقيد بالشرط الذي اشترطه الآخر، إذا لم تكن فيه مخالفة لشرع الله.

     لكن يعتبر شرط النكاح؛ عند العقد أو قبل العقد، أمّا بعد العقد فلا عبرة به.

    فيجب على الزوج الوفاء بالشرط الذي تشترطه الزوجة والعكس، إلّا إذا كان الشرط يُحرِّم حلالاً أو يُحِلّ حراماً، كأن تشترط المرأة أن يطلق الرجل زوجته، فهذا الشرط شرطٌ باطلٌ، لا يجوز للرجل أن يمضيه لها؛ لقول النبي ﷺ: «لا تشترط المرأةُ طلاق أختها لِتَستفرِغ صَحفَتها، ولتنكح فإنّما لها ما قُدِّر لها»([2])، نهى النبي عن هذا الشرط فصار شرطاً مُحرّماً فلا يجوز أن يُوفى به ، وكأن تشترط المرأة أن لا يجامعها زوجها، هذا الشرط أيضاً باطل؛ لأنّه مناقض لمقتضى العقد؛ فإن مطلوب عقد النكاح أصلاً هو الجماع، فإذا اشترطت المرأة هذا كان شرطها باطلاً.

    ولها أن تشترط أن لا يتزوج عليها، هذا من حقّها؛ لأنّ زواج الثانية أمرٌ مباح؛ فإذا اشترطته فلها شرطها ويجب عليه أن يتقيد بذلك إذا وافق.

    ولها كذلك أن تشترط أن لا يُخرجها من بلدها وأن لا تسافر، فإن وافق، وجب عليه أن يتقيد بذلك، فإن لم يَفِ بالشرط كان آثماً، ويكون لها الحق في فسخ النكاح، إذا شاءت فسخت وإذا شاءت أن تتنازل تنازلت، لكنّه يكون آثماً لعدم وفائه بشرطه؛ لأن الوفاء بالشرط واجبٌ إذا لم يكن شرطاً مُحرّماً. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى

    قال الترمذي في جامعه (1127): والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: عمر بن الخطاب قال: إذا تزوج رجل امرأة وشرط لها أن لا يخرجها من مصرها؛ فليس له أن يخرجها، وهو قول بعض أهل العلم، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: شرط الله قبل شرطها، كأنه رأى للزوج أن يخرجها وإن كانت اشترطت على زوجها أن لا يخرجها، وذهب بعض أهل العلم إلى هذا، وهو قول سفيان الثوري، وبعض أهل الكوفة. انتهى

    قال ابن قدامة في المغني (7/ 93): وجملة ذلك أن الشروط في النكاح تنقسم أقساماً ثلاثة:

    أحدها ما يلزم الوفاء به: وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته، مثل أن يشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها، ولا يتسرى عليها، فهذا يلزمه الوفاء لها به، فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح. يروى هذا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية، وعمرو بن العاص - رضي الله عنهم - وبه قال شريح، وعمر بن عبد العزيز، وجابر بن زيد، وطاوس، والأوزاعي، وإسحاق.

    وأبطل هذه الشروط: الزهري، وقتادة، وهشام بن عروة، ومالك، والليث، والثوري، والشافعي، وابن المنذر، وأصحاب الرأي. قال أبو حنيفة، والشافعي: ويفسد المهر دون العقد، ولها مهر المثل. واحتجوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «كل شرط ليس في كتاب الله، فهو باطل، وإن كان مائة شرط» وهذا ليس في كتاب الله.
    لأن الشرع لا يقتضيه، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «المسلمون على شروطهم، إلا شرطا أحل حراما، أو حرم حلالا» وهذا يحرم الحلال، وهو التزويج والتسري والسفر؛ ولأن هذا شرط ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه، ولم يبن على التغليب والسراية، فكان فاسدا، كما لو شرطت أن لا تسلم نفسها.

    ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج» رواه سعيد وفي لفظ: «إن أحق الشروط أن توفوا بها، ما استحللتم به الفروج» متفق عليه
    وأيضا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «المسلمون على شروطهم» ولأنه قول من سمينا من الصحابة، ولا نعلم لهم مخالفا في عصرهم، فكان إجماعا. وروى الأثرم بإسناده: أن رجلا تزوج امرأة، وشرط لها دارها، ثم أراد نقلها، فخاصموه إلى عمر فقال: لها شرطها فقال الرجل: إذا تطلقينا. فقال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط؛ ولأنه شرط لها فيه منفعة ومقصود لا يمنع المقصود من النكاح، فكان لازما، كما لو شرطت عليه زيادة في المهر أو غير نقد البلد. وقوله - عليه السلام - «كل شرط ليس في كتاب الله، فهو باطل» أي: ليس في حكم الله وشرعه، وهذا مشروع وقد ذكرنا ما دل على مشروعيته وعلى من ادعى الخلاف في مشروعيته وعلى من نفى ذلك الدليل، وقولهم: إن هذا يحرم الحلال.
    قلنا: لا يحرم حلالا، وإنما يثبت للمرأة خيار الفسخ إن لم يف لها به. وقولهم: ليس من مصلحته قلنا: لا نسلم ذلك فإنه من مصلحة المرأة، وما كان من مصلحة العاقد كان من مصلحة عقده، كاشتراط الرهن والضمين في البيع، ثم يبطل بالزيادة على مهر المثل. وشرط غير نقد البلد فإذا ثبت أنه شرط لازم فلم يف لها به، فلها الفسخ، ولهذا قال الذي قضى عليه عمر بلزوم الشرط: إذا تطلقنا فلم يلتفت عمر إلى ذلك، وقال: مقاطع الحقوق عند الشروط؛ ولأنه شرط لازم في عقد فيثبت حق الفسخ بترك الوفاء به، كالرهن والضمين في البيع. 

    فصل: فإن شرطت عليه أن يطلق ضرتها لم يصح الشرط لما روى أبو هريرة قال: «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تشترط المرأة طلاق أختها» وفي لفظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها ولتنكح فإن لها ما قدر لها» رواهما البخاري. والنهي يقتضي فساد المنهي عنه؛ ولأنها شرطت عليه فسخ عقده، وإبطال حقه وحق امرأته، فلم يصح، كما لو شرطت عليه فسخ بيعه. وقال أبو الخطاب: هو شرط لازم؛ لأنه لا ينافي العقد، ولها فيه فائدة، فأشبه ما لو شرطت عليه أن لا يتزوج عليها.
    ولم أر هذا لغيره، وقد ذكرنا ما يدل على فساده، وعلى قياس هذا لو شرطت عليه بيع أمته.

    ما يبطل الشرط، ويصح العقد، مثل أن يشترط أن لا مهر لها، أو أن لا ينفق عليها أو إن أصدقها رجع عليها، أو تشترط عليه أن لا يطأها، أو يعزل عنها أو يقسم لها أقل من قسم صاحبتها أو أكثر أو لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة، أو شرط لها النهار دون الليل، أو شرط على المرأة أن تنفق عليه أو تعطيه شيئا. فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها؛ لأنها تنافي مقتضى العقد؛ ولأنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده، فلم يصح، كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع، فأما العقد في نفسه فصحيح؛ لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد، لا يشترط ذكره، ولا يضر الجهل به، فلم يبطله.
    كما لو شرط في العقد صداقا محرما؛ ولأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض، فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد، كالعتاق وقد نص أحمد في رجل تزوج امرأة، وشرط عليها أن يبيت عندها في كل جمعة ليلة، ثم رجعت وقالت: لا أرضى إلا ليلة وليلة فقال: لها أن تنزل بطيب نفس منها، فإن ذلك جائز، وإن قالت: لا أرضى إلا بالمقاسمة كان ذلك حقا لها، تطالبه إن شاءت، ونقل عنه الأثرم في الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها أن يأتيها في الأيام يجوز الشرط، فإن شاءت رجعت، وقال في الرجل يتزوج المرأة على أن تنفق عليه في كل شهر خمسة دراهم، أو عشرة دراهم،

    النكاح جائز ولها أن ترجع في هذا الشرط.
    وقد نقل عن أحمد كلام في بعض هذه الشروط.
    يحتمل إبطال العقد، نقل عنه المروزي في النهاريات والليليات: ليس هذا من نكاح أهل الإسلام، وممن كره تزويج النهاريات حماد بن أبي سليمان وابن شبرمة وقال الثوري: الشرط باطل. وقال أصحاب الرأي: إذا سألته أن يعدل لها، عدل. وكان الحسن، وعطاء لا يريان بنكاح النهاريات بأسا وكان الحسن لا يرى بأسا أن يتزوجها، على أن يجعل لها من الشهر أياما معلومة، ولعل كراهة من كره ذلك راجع إلى إبطال الشرط، وإجازة من أجازه راجع إلى أصل النكاح، فتكون أقوالهم متفقة على صحة النكاح وإبطال الشرط، كما قلنا. والله أعلم.
    وقال القاضي: إنما كره أحمد هذا النكاح؛ لأنه يقع على وجه السر، ونكاح السر منهي عنه، فإن شرط عليه ترك الوطء، احتمل أن يفسد العقد؛ لأنه شرط ينافي المقصود من النكاح، وهذا مذهب الشافعي، وكذلك إن شرط عليه أن لا تسلم إليه، فهو بمنزلة ما لو اشترى شيئا على أن لا يقبضه وإن شرط عليها أن لا يطأها، لم يفسد؛ لأن الوطء حقه عليها، وهي لا تملكه عليه ويحتمل أن يفسد؛ لأن لها فيه حقا، ولذلك تملك مطالبته به إذا آلى، والفسخ إذا تعذر بالجب والعنة.

    القسم الثالث: ما يبطل النكاح من أصله، مثل أن يشترطا تأقيت النكاح، وهو نكاح المتعة أو أن يطلقها في وقت بعينه، أو يعلقه على شرط، مثل أن يقول: زوجتك إن رضيت أمها أو فلان أو يشترط الخيار في النكاح لهما، أو لأحدهما، فهذه شروط باطلة في نفسها، ويبطل بها النكاح. وكذلك إن جعل صداقها تزويج امرأة أخرى، وهو نكاح الشغار ونذكر ذلك في مواضعه إن شاء الله تعالى.
    وذكر أبو الخطاب فيما إذا شرط الخيار، إن رضيت أمها أو إن جاءها بالمهر في وقت كذا، وإلا فلا نكاح بينهما، روايتين.
    إحداهما: النكاح صحيح والشرط باطل. وبه قال أبو ثور فيما إذا شرط الخيار وحكاه عن أبي حنيفة وزعم أنه لا خلاف فيها، وقال ابن المنذر: قال أحمد وإسحاق إذا تزوجها على أنه إن جاء بالمهر في وقت كذا وكذا وإلا فلا نكاح بينهما، الشرط باطل والعقد جائز وهو قول عطاء والثوري وأبي حنيفة والأوزاعي وروي ذلك عن الزهري وروى ابن منصور عن أحمد في هذا، أن العقد والشرط جائزان لقوله - عليه السلام - «المسلمون على شروطهم». والرواية الأخرى: يبطل العقد من أصله في هذا كله؛ لأن النكاح لا يكون إلا لازما، وهذا يوجب جوازه؛ ولأنه إذا قال: إن رضيت أمها، أو إن جئتني بالمهر في وقت كذا فقد وقف النكاح على شرط ولا يجوز وقفه على شرط وهذا قول الشافعي، ونحوه عن مالك وأبي عبيد. انتهى


    ([1]) أخرجه البخاري (2721)، ومسلم (1418) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.

     ([2]) أخرجه البخاري 2140)، ومسلم (1408) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم