• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: الزواج بالمشرك والزاني
  • رقم الفتوى: 4654
  • تاريخ الإضافة: 1 رمضان 1441
  • السؤال

    هل يجوز للمسلم أن يتزوج بزانية؟ وكذلك المسلمة هل يجوز لها ذلك ؟

  • الاجابة

    يَحْرَمُ على الرَّجُلِ المُسلمِ العَفيفِ أَنْ يَتزَوّجَ زَانِيَةً إلا إِذا تَابت، ويَحرمُ على المُسلمِ أن يَتزوجَ مُشْرِكَةً مِن غيرِ أَهلِ الكِتابِ؛ لقول الله تبارك وتعالى:{الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }[النور3: ]، فدل قوله: {... وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } أن نكاح الزانية ونكاح المشركة حرام، فلا يجوز للرجل أن يتزوج امرأة زانية ولا امرأة مشركة.

    وأما المَرأةُ المسلمةُ فلا يَجوزُ لها أن تَتزوجَ من رَجلٍ مُشركٍ سواء من أهلِ الكتابِ أو من غيرِهم، والعَفيفةُ لا يَجوزُ لها أن تَتزوجَ مِن زانٍ، إلا أن يَتوبَ الزاني ويُسلمَ المُشركُ. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى 

    قال ابن تيمية: والعلماء قد تنازعوا في جواز نكاح الزانية قبل توبتها؟ على قولين مشهورين؛ لكن الكتاب والسنة والاعتبار يدل على أن ذلك لا يجوز. انتهى من مجموع الفتاوى (32/ 145)

    وقال: والمقصود هنا الكلام في " نكاح الزانية " وفيه مسألتان " إحداهما " في استبرائها وهو عدتها...إلى أن قال: " والثانية " أنها لا تحل حتى تتوب؛ وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة والاعتبار؛ والمشهور في ذلك آية النور قوله تعالى {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين} وفي السنن حديث أبي مرثد الغنوي في عناق. انتهى من مجموع الفتاوى (32/ 113). 

    وقال ابن قدامة في المغني (7/ 40): وإذا زنت المرأة، لم يحل لمن يعلم ذلك نكاحها إلا بشرطين؛ أحدهما: انقضاء عدتها، فإن حملت من الزنى فقضاء عدتها بوضعه، ولا يحل نكاحها قبل وضعه. وبهذا قال مالك وأبو يوسف. وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة. وفي الأخرى قال: يحل نكاحها ويصح. وهو مذهب الشافعي؛ لأنه وطء لا يلحق به النسب، فلم يحرم النكاح، كما لو لم تحمل.
    ولنا: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يسقي ماءه زرع غيره» . يعني وطء الحوامل. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا توطأ حامل حتى تضع» . صحيح
    ، وهو عام، وروي عن سعيد بن المسيب، «أن رجلا تزوج امرأة، فلما أصابها وجدها حبلى، فرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ففرق بينهما، وجعل لها الصداق، وجلدها مائة.» رواه سعيد
    «. ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة مجحا على باب فسطاط، فقال: لعله يريد أن يلم بها؟ قالوا: نعم. قال: لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره، كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ أم كيف يورثه وهو لا يحل له؟» . أخرجه مسلم. ولأنها حامل من غيره، فحرم عليه نكاحها، كسائر الحوامل.

    وإذا ثبت هذا لزمتها العدة، وحرم عليها النكاح فيها؛ لأنها في الأصل لمعرفة براءة الرحم، ولأنها قبل العدة يحتمل أن تكون حاملا، فيكون نكاحها باطلا، فلم يصح، كالموطوءة بشبهة.
    وقال أبو حنيفة والشافعي: لا عدة عليها؛ لأنه وطء لا تصير به المرأة فراشا، فأشبه وطء الصغير. ولنا، ما ذكرناه، لأنه إذا لم يصح نكاح الحامل، فغيرها أولى، لأن وطء الحامل لا يفضي إلى اشتباه النسب، وغيرها يحتمل أن يكون ولدها من الأول، ويحتمل أن يكون من الثاني، فيفضي إلى اشتباه الأنساب، فكان بالتحريم أولى، ولأنه وطء في القبل، فأوجب العدة، كوطء الشبهة، ولا نسلم وطء الصغير الذي يمكن منه الوطء.

    والشرط الثاني: أن تتوب من الزنا، وبه قال قتادة، وإسحاق، وأبو عبيد.
    وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: لا يشترط ذلك؛ لما روي أن عمر ضرب رجلا وامرأة في الزنى، وحرص أن يجمع بينهما، فأبى الرجل. وروي أن رجلا سأل ابن عباس عن نكاح الزانية، فقال: يجوز، أرأيت لو سرق من كرم، ثم ابتاعه، أكان يجوز؟ . ولنا، قول الله تعالى {والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} [النور: 3] /إلى قوله: {وحرم ذلك على المؤمنين} [النور: 3] .
    وهي قبل التوبة في حكم الزنى، فإذا تابت زال ذلك؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» . وقوله «التوبة تمحو الحوبة» . وروي «أن مرثدا دخل مكة، فرأى امرأة فاجرة يقال لها عناق، فدعته إلى نفسها، فلم يجبها، فلما قدم المدينة سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: أنكح عناقا؟ فلم يجبه، فأنزل الله تعالى {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} [النور: 3] . فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتلا عليه الآية، وقال: لا تنكحها» .
    ولأنها إذا كانت مقيمة على الزنا لم يأمن أن تلحق به ولدا من غيره، وتفسد فراشه. فأما حديث عمر، فالظاهر أنه استتابها. وحديث ابن عباس ليس فيه بيان، ولا تعرض له لمحل النزاع.

    إذا ثبت هذا فإن عدة الزانية كعدة المطلقة؛ لأنه استبراء لحرة، فأشبه عدة الموطوءة بشبهة. وحكى ابن أبي موسى، أنها تستبرأ بحيضه؛ لأنه ليس من نكاح ولا شبهة نكاح، فأشبه استبراء أم الولد إذا عتقت. وأما التوبة، فهي الاستغفار والندم والإقلاع عن الذنب، كالتوبة من سائر الذنوب.
    وروي عن ابن عمر، أنه قيل له: كيف تعرف توبتها؟ قال: يريدها على ذلك، فإن طاوعته فلم تتب، وإن أبت فقد تابت. فصار أحمد إلى قول ابن عمر اتباعا له. والصحيح الأول، فإنه لا ينبغي لمسلم أن يدعو امرأة إلى الزنى، ويطلبه منها. ولأن طلبه ذلك منها إنما يكون في خلوة، ولا تحل الخلوة بأجنبية، ولو كان في تعليمها القرآن، فكيف يحل في مراودتها على الزنى، ثم لا يأمن إن أجابته إلى ذلك أن تعود إلى المعصية، فلا يحل للتعرض لمثل هذا، ولأن التوبة من سائر الذنوب، وفي حق سائر الناس، وبالنسبة إلى سائر الأحكام، على غير هذا الوجه، فكذلك يكون هذا. انتهى

    وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع (12/ 102): ولهذا قال: «فلو زوج الأب عفيفة بفاجر» الفاجر هنا: الزاني؛ لأنه مقابل بعفيفة، فلو زوج الأب عفيفة بفاجر، فالنكاح على رأي المؤلف صحيح؛ لأن الكفاءة ليست شرطاً للصحة.

    والصواب في هذه المسألة بالذات أن النكاح فاسد؛ لأن الله يقول: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين}، ومعنى الآية ـ وهي محل إشكال عند العلماء ـ أن الزاني إذا تزوج عفيفة، فإما أن تكون هذه الزوجة عالمة بالحكم، وأن زواج الزاني بها حرام، فتكون زانية؛ لأنها أباحت فرجها لمن لا يباح له، وإما أن تكون عالمة بالحكم ولكنها خالفت وعاندت ولم ترض بالحكم أصلاً، فهذه تكون مشركة؛ لأنها شرعت لنفسها ما لم يشرعه الله، هذا أحسن ما قيل في معنى الآية.
    ومعنى ذلك أن العفيفة لا يجوز أن تتزوج بالزاني، والغريب أن أصحابنا ـ رحمهم الله ـ يقولون: إن الزانية لا يصح نكاحها حتى تتوب، والزاني يصح نكاحه قبل أن يتوب، مع أن الآية واحدة والحكم واحد.

    فالصواب أنه إذا زوج عفيفة بفاجر فالنكاح غير صحيح إلا إذا تاب، والحكمة -والله أعلم- أما بالنسبة للزانية فلئلا تختلط الأنساب؛ لأن الزانية إذا لم تتب لم يؤمن أن تزني بعد الزواج، وأما بالنسبة للزوج، فإذا كان معروفا بالزنا ولم يتب فإنه يهون عليه أن تزني امرأته؛ لأن الذي يمارس المنكر يهون عليه المنكر، وحينئذ يكون ديوثا؛ وهو الذي يقر الفاحشة في أهله.

    ومن عرف باللواط ـ والعياذ بالله ـ لا يزوج حتى يعلم أنه تاب؛ لأنه إذا كان الزنا ـ وهو فاحشة ـ يمنع من ذلك، فاللواط وهو الفاحشة من باب أولى، فاللواط وصف بأنه الفاحشة، والزنا وصف بأنه فاحشة، والفرق أن «أل» التي دخلت على «فاحشة» تجعله أعظم، يعني أن اللواط الفاحشة العظمى، والزنا فاحشة من الفواحش.

    والسحاق وهو جماع الأنثى للأنثى بصفة معروفة، فالظاهر أنه كذلك. انتهى

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم