• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: المغالاة في المهور
  • رقم الفتوى: 4749
  • تاريخ الإضافة: 5 رمضان 1441
  • السؤال

    نرى اليوم مغالاةً شديدة في المهور فما توجيهكم حفظكم الله ؟

  • الاجابة

    المهر جائز بالقليل والكثير، ولا حد لأكثره بالإجماع، ولا لأقله مما يُنتفع به على الصحيح، ولكن السنة تخفيف المهور، وتكره المغالاة فيها إذا كان الرجل فقيراً. هذه خلاصة الفتوى

    والبعض ذهب إلى الكراهة مطلقاً للفقير والغني، والظاهر من عمل السلف التقييد بالفقير؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ، فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار، فقال له النبي ﷺ: «هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئاً» قال: قد نظرت إليها، قال: «على كم تزوجتها؟» قال: على أربع أواق، فقال له النبي ﷺ: «على أربع أواق؟! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك؛ ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه»، قال: فبعث بعثاً إلى بني عبس بعث ذلك الرجل فيهم»أخرجه مسلم (1424).

    الأوقية: أربعون درهماً، وقوله: « كأنكم تنحتون الفضة من عرض الجبل» أي كأن الفضة متيسرة لكم وتنحتونها نحتاً من طرف الجبل، فيدل هذا الحديث على كراهة المغالاة فيه للفقير، فهذا الرجل جاء يسأل فهو فقير. قال النووي : ومعنى هذا الكلام كراهة إكثار المهر بالنسبة إلى حال الزوج. انتهى من شرح صحيح مسلم (9/ 211).

    والدليل على جواز المهر الكثير؛ قول الله تبارك وتعالى: { وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً } [النساء: 20] الشاهد قوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً} والقنطار؛ مال كثير، فدلَّ هذا على جواز المهر الكثير. والله أعلم

    قال النووي في المجموع (16/ 322): ويجوز أن يكون الصداق قليلاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : "اطلب ولو خاتماً من حديد"، ولأنه بدل منفعتها فكان تقدير العوض إليها كأجرة منافعها، ويجوز أن يكون كبيراً؛ لقوله عز وجل: {وآتيتم إحداهن قنطارا}، قال معاذ رضى الله عنه : القنطار ألف ومائتا أوقية. وقال أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه: ملء مسك ثور ذهباً.
    والمستحب أن يخفف؛ لما روت عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة"، ولأنه إذا كبر أجحف وأضر، ودعا إلى المقت، والمستحب أن لا يزيد على خمسمائة درهم.." انتهى

    وقال القرطبي في تفسيره (5/ 99): قوله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطارا} الآية دليل على جواز المغالاة في المهور، لأن الله تعالى لا يمثل إلا بمباح....إلى أن قال:  وقال قوم: لا تعطي الآية جواز المغالاة بالمهور، لأن التمثيل بالقنطار إنما هو على جهة المبالغة، كأنه قال: وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد. وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: "من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة؛ بنى الله له بيتا في الجنة". ومعلوم أنه لا يكون مسجد كمفحص قطاة.

    وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن أبي حدرد وقد جاء يستعينه في مهره، فسأله عنه فقال: مائتين، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "كأنكم تقطعون الذهب والفضة من عرض الحرة" أو "جبل". فاستقرأ بعض الناس من هذا منع المغالاة بالمهور، وهذا لا يلزم، وإنكار النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل المتزوج ليس إنكارا لأجل المغالاة والإكثار في المهور، وإنما الإنكار لأنه كان فقيراً في تلك الحال فأحوج نفسه إلى الاستعانة والسؤال، وهذا مكروه باتفاق.

    وقد أصدق عمر أم كلثوم بنت علي من فاطمة رضوان الله عليهم أربعين ألف درهم. وروى أبو داود عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "أترضى أن أزوجك فلانة؟" قال: نعم. وقال للمرأة: "أترضين أن أزوجك فلاناً؟" قالت: نعم. فزوج أحدهما من صاحب، فدخل بها الرجل ولم يفرض لها صداقاً ولم يعطها شيئاً، وكان ممن شهد الحديبية وله سهم بخيبر، فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة، ولم أفرض لها صداقاً، ولم أعطها شيئاً، وإني أشهدكم أني قد أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر، فأخذت سهمها فباعته بمائة ألف.

    وقد أجمع العلماء على ألا تحديد في أكثر الصداق، لقوله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطاراً} واختلفوا في أقله. انتهى

    وقال ابن تيمية رحمه الله: السنة: تخفيف الصداق وألا يزيد على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته، فقد روت عائشة - رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة"، وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيرهن أيسرهن صداقا"، وعن الحسن البصري قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألزموا النساء الرجال ولا تغالوا في المهور" . وخطب عمر بن الخطاب الناس فقال: " ألا لا تغالوا في مهور النساء؛ فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله؛ كان أولاكم النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية". قال الترمذي: حديث صحيح.

    ويكره للرجل أن يصدق المرأة صداقاً يضر به إن نقده، ويعجز عن وفائه إن كان دينا.

    قال أبو هريرة: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار. فقال: "على كم تزوجتها؟" قال: على أربع أواق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "على أربع أواق؟! فكأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل! ما عندنا ما نعطيك؛ ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه"، قال: فبعث بعثا إلى بني عبس، فبعث ذلك الرجل فيهم" . رواه مسلم في صحيحه.

    " والأوقية " عندهم أربعون درهماً، وهي مجموع الصداق، ليس فيه مقدم ومؤخر.

    وعن أبي حدرد الأسلمي: "أنه ذكر أنه تزوج امرأة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستعينه في صداقها، فقال: "كم أصدقت؟" قال: فقلت؛ مائتي درهم. فقال: "لو كنتم تغرفون الدراهم من أوديتكم ما زدتم" رواه الإمام أحمد في مسنده.

    وإذا أصدقها ديناً كثيراً في ذمته وهو ينوي ألا يعطيها إياه؛ كان ذلك حراماَ عليه، فإنه قد روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من تزوج امرأة بصداق ينوي ألا يؤديه إليها فهو زان، ومن ادان ديناً ينوي ألا يقضيه فهو سارق".

    وما يفعله بعض أهل الجفاء والخيلاء والرياء من تكثير المهر للرياء والفخر، وهم لا يقصدون أخذه من الزوج وهو ينوي ألا يعطيهم إياه؛ فهذا منكر قبيح مخالف للسنة خارج عن الشريعة. 

    وإن قصد الزوج أن يؤديه وهو في الغالب لا يطيقه؛ فقد حمل نفسه وشغل ذمته وتعرض لنقص حسناته وارتهانه بالدين؛ وأهل المرأة قد آذوا صهرهم وضروه.

    والمستحب في الصداق مع القدرة واليسار: أن يكون جميع عاجله وآجله لا يزيد على مهر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بناته، وكان ما بين أربعمائة إلى خمسمائة بالدراهم الخالصة نحواً من تسعة عشر ديناراً.

    فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك فقد استن بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصداق.

    قال أبو هريرة رضي الله عنه: كان صداقنا إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر أواق وطبق بيديه. وذلك أربعمائة درهم. رواه الإمام أحمد في مسنده، وهذا لفظ أبي داود في سننه.

    وقال أبو سلمة: قلت لعائشة: كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشاً. قالت: أتدري ما النش؟ قلت: لا قالت: نصف أوقية، فذلك خمسمائة درهم . رواه مسلم في صحيحه. وقد تقدم عن عمر أن صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نحواً من ذلك.

    فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة، وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة؛ فهو جاهل أحمق. وكذلك صداق أمهات المؤمنين.

    وهذا مع القدرة واليسار، فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة.

    والأولى تعجيل الصداق كله للمرأة قبل الدخول إذا أمكن، فإن قدم البعض وأخر البعض فهو جائز.

    وقد كان السلف الصالح الطيب يرخصون الصداق، فتزوج عبد الرحمن بن عوف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على وزن نواة من ذهب، قالوا: وزنها ثلاثة دراهم وثلث. وزوج سعيد بن المسيب بنته على درهمين وهي من أفضل أيم من قريش، بعد أن خطبها الخليفة لابنه فأبى أن يزوجها به.

    والذي نقل عن بعض السلف من تكثير صداق النساء فإنما كان ذلك لأن المال اتسع عليهم.

    وكانوا يعجلون الصداق كله قبل الدخول؛ لم يكونوا يؤخرون منه شيئا.

    ومن كان له يسار ووجد فأحب أن يعطي امرأته صداقاً كثيراً فلا بأس بذلك كما قال تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} . أما من يشغل ذمته بصداق لا يريد أن يؤديه أو يعجز عن وفائه، فهذا مكروه. كما تقدم وكذلك من جعل في ذمته صداقا كثيراً من غير وفاء له: فهذا ليس بمسنون. والله أعلم. انتهى من مجموع الفتاوى (32/ 192).

    وانظر الأوسط لابن المنذر (8/ 328).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم