• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: المسح على النعلين
  • رقم الفتوى: 628
  • تاريخ الإضافة: 21 صَفَر 1440
  • السؤال
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ماحكم المسح على النعلين؟ وهل المسح على الخفين يكون أعلاهما فقط دون العقب؟ وجزاكم الله خيراً
  • الاجابة

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم؛ أما بعد:

    فالمسح على النعلين لا يجوز، هذا القول المشهور المعلوم عند الأئمة.
     ورد في المسح على النعلين حديث عند أحمد (18206) والأربعة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ.

    ولكنه حديث ضعيف ضعفه جمع من أهل الحديث، وكذلك غيره من الأحاديث الواردة في ذلك لا يصح منها شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

    قال النووي رحمه الله فيه: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ مِنْ أَوْجُه:ٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْحُفَّاظُ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَنُقِلَ تَضْعِيفُهُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَأَحْمَدَ ابن حَنْبَلٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَمُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَعْلَامُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. فهؤلاء مقدمون عليه، بل كل واحد من هؤلاء لَوْ انْفَرَدَ قُدِّمَ عَلَى التِّرْمِذِيِّ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ... انتهى من المجموع للنووي (1/284- عالم الكتب)

    وليس المقصود من الحديث على التسليم بتحسينه جواز المسح على النعلين استقلالاً؛ بل المقصود أنه مسح على نعلين تحتهما جوربان، والمقصود مسح الجوربين، ومسح النعلين فضلٌ.

    قال الطيبي: معنى قوله والنعلين؛ هو أن يكون قد لبس النعلين فوق الجوربين. وكذا قال الخطابي في المعالم.

    قلت: هذا المعنى هو الظاهر.

    قال الطحاوي في شرح الاثار في باب المسح على النعلين: مسح على نعلين تحتهما جوربان، وكان قاصداً بمسحه ذلك إلى جوربيه لا نعليه، وجورباه لو كانا عليه بلا نعلين جاز له أن يمسح عليهما، فكان مسحه ذلك مسحاً أراد به الجوربين، فأتى ذلك على الجوربين والنعلين، فكان مسحه على الجوربين هو الذي تطهر به، ومسحه على النعلين فضل. انتهى كلام الطحاوي). "تحفة الأحوذي (1/342- دار السلام)".

    وبوب الإمام البخاري رحمه الله باباً في صحيحه بيّن فيه رحمه الله جواز غسل الرجلين وهما في النعلين، وعدم جواز المسح على النعلين.

    فقال رحمه الله: (باب غسل الرجلين في النعلين، ولا يمسح على النعلين)، ثم روى حديث ابن عمر بإسناده وفيه: "فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعل التي فيها الشعر *يتوضأ فيها*.

    قال ابن حجر رحمه الله: ليس في الحديث الذي ذكره تصريح بذلك، وإنما هو مأخوذ من قوله : " يتوضأ فيها " لأن الأصل في الوضوء هو الغسل ، ولأن قوله " فيها " يدل على الغسل ، ولو أريد المسح لقال عليها .

    قوله: ( ولا يمسح على النعلين ) أي : لا يكتفى بالمسح عليهما كما في الخفين ، وأشار بذلك إلى ما روي عن علي وغيره من الصحابة أنهما مسحوا على نعالهم في الوضوء ثم صلوا ، وروي في ذلك حديث مرفوع أخرجه أبو داود وغيره من حديث المغيرة بن شعبة لكن ضعفه عبد الرحمن بن مهدي وغيره من الأئمة ، واستدل الطحاوي على عدم الإجزاء بالإجماع على أن الخفين إذا تخرقا حتى تبدو القدمان أن المسح لا يجزئ عليهما ، قال : فكذلك النعلان لأنهما لا يفيدان القدمين ، انتهى . وهو استدلال صحيح ؛ لكنه منازع في نقل الإجماع المذكور. " فتح الباري 1/351 دار السلام".

    فالذي يجوز المسح عليه الخفان أو ما يقوم مقامهما بشرط أن يكون ساتراً للكعبين.

    قال ابن قدامة رحمه الله: مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يَمْسَحُ إلَّا عَلَى خُفَّيْنِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا؛ مِنْ مَقْطُوعٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ، مِمَّا يُجَاوِزُ الْكَعْبَيْنِ).

    مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، يَقُومُ مَقَامَ الْخُفَّيْنِ فِي سَتْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ، وَإِمْكَانِ الْمَشْيِ فِيهِ، وَثُبُوتِهِ بِنَفْسِهِ. وَالْمَقْطُوعُ هُوَ الْخُفُّ الْقَصِيرُ السَّاقِ؛ وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ سَاتِرًا لِمَحَلِّ الْفَرْضِ، *لَا يُرَى مِنْهُ الْكَعْبَانِ* ؛ لِكَوْنِهِ ضَيِّقًا أَوْ مَشْدُودًا، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَلَوْ كَانَ مَقْطُوعًا مِنْ دُونِ الْكَعْبَيْنِ، لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ.

    وَهَذَا الصَّحِيحُ عَنْ مَالِكٍ. وَحُكِيَ عَنْهُ، وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، جَوَازُ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ خُفٌّ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ، فَأَشْبَهَ السَّاتِرَ، وَلَنَا أَنَّهُ لَا يَسْتُرُ مَحَلَّ الْفَرْضِ، فَأَشْبَهَ اللَّالَكَةَ وَالنَّعْلَيْنِ. " المغني 1/372 عالم الكتب".

    وقال الإمام البغوي رحمه الله: وَشَرْطُ الْخُفِّ الَّذِي يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ الرِّجْلَيْنِ *مَعَ الْكَعْبَيْنِ* ، فَإِنْ تَخَرَّقَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي مُحَاذَاةِ الْمَغْسُولِ بِحَيْثُ ظَهَرَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الرِّجْلِ أَوِ اللِّفَافَةِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا قَلِيلا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى جَوَازِهِ وَإِنْ تَفَاحَشَ الْخَرْقُ مَا دَامَ يَثْبُتُ فِي الرِّجْلِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: يَجُوزُ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ ثَلاثَةِ أَصَابِعَ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.

    "شرح السنة للإمام البغوي 1/458 المكتب الإسلامي"

    بل إن الخف لا يسمى خفاً إلا إذا كان ساتراً للكعبين؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في المحرم " فَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ ".(أخرجه البخاري366 ومسلم 1177).

    قال ابن تيمية رحمه الله: فعلم أن المعتبر في اللباس أن يكون على الوجه المعتاد سواء ستر جميع محل الفرض أو لم يستره . والخفاف قد اعتيد فيها أن تلبس مع الفتق والخرق وظهور بعض الرجل؛ *وأما ما تحت الكعبين فذاك ليس بخف أصلاً* ولهذا يجوز للمحرم لبسه مع القدرة على النعلين في أظهر قولي العلماء. "مجموع الفتاوى 21/190"

    وقال رحمه الله: فإنما أمر بالقطع أولاً؛ لأن رخصة البدل لم تكن شرعت، فأمرهم بالقطع حينئذ *لأن المقطوع يصير كالنعلين فإنه ليس بخف* . ولهذا لا يجوز المسح عليه باتفاق المسلمين فلم يدخل في إذنه في المسح على الخفين . "مجموع الفتاوى 21/192".

    وأما عن ورود المسح على النعلين عن بعض الصحابة رضي الله عنهم
    فقال البيهقي رحمه الله في سننه الكبرى (1/431): والمشهور عن علي رضي الله عنه أنه غسل رجليه حين وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يخالف النبي صلى الله عليه وسلم، فأما مسحه على النعلين فهو محمول على غسل الرجلين في النعلين والمسح على النعلين؛ لأن المسح رخصة لمن تغطت رجلاه بالخفين فلا يعدانها موضعها. قال: والأصل وجوب غسل الرجلين إلا ما خصته سنة ثابتة أو إجماع لا يختلف فيه، وليس على المسح على النعلين ولا على الجوربين واحد منهما. والله أعلم

    وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: وأما ما ورد عن الصحابة، مما يخالف ظاهر السنة : فإنه لا يؤخذ به ؛ بل يعتذر عنهم ولا يحتج بفعلهم. " لقاءات الباب المفتوح، اللقاء السادس.

    وقال رحمه الله: المسح على النعل لا يجوز، بل لا بد من خلع النعل وغسل الرجل، أما الخف وهو ما يستر الرجل، فإنه يجوز المسح عليه سواء كان من جلد أو من قطن أو من صوف أو من غيرها.

    " مجموع الفتاوى 11/168 دار الثريا".

    وأما صفة المسح

    فالسنة في ذلك مسح أعلى الخف دون باطنه وعقبه، لما أخرجه أحمد(737) وأبو داود (162) عن علي رضي الله عنه أنه قال" لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه" صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود.

    قال ابن قدامة رحمه الله: "السنة مسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه ، فيضع يده على موضع الأصابع ، ثم يجرها إلى ساقه خطا بأصابعه . وإن مسح من ساقه إلى أصابعه جاز ، والأول المسنون ولا يسن مسح أسفله ، ولا عقبه . بذلك قال عروة ، وعطاء ، والحسن ، والنخعي ، والثوري ، الأوزاعي ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، وابن المنذر وروي عن سعد أنه كان يرى مسح ظاهره وباطنه . وروي أيضا عن ابن عمر ، وعمر بن عبد العزيز ، والزهري ، ومكحول ، وابن المبارك ، ومالك ، والشافعي ، لما روى المغيرة بن شعبة ، قال: وضأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح أعلى الخف وأسفله. رواه ابن ماجه، ولأنه يحاذي محل الفرض ، فأشبه ظاهره. ولنا قول علي رضي الله عنه : لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من ظاهره ، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهر خفيه. المغني (1/376- عالم الكتب).

    وروى ابن المنذر رحمه الله بإسناده بعد أن ذكر الخلاف في المسح على باطن الخفين؛ بعض الآثار في المسح على ظهور الخفين، ثم قال رحمه الله: وبهذا نقول - أي بالمسح على ظاهر الخفين- ، ولا أعلم أحداً يرى أن مسح أسفل الخف وحده يجزئ من المسح، وكذلك لا أعلم أحداً أوجب الإعادة على من اقتصر على مسح أعلى الخف. الأوسط لابن المنذر( 2/107 - دار الفلاح). والله أعلم

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم