8- خروجه عليه الصلاة والسلام مع عمه أبي طالب إلى الشام وقصته مع بحيرى الراهب


  • من صحيح السيرة النبوية

    8-خروجه عليه الصلاة والسلام مع عمه أبي طالب إلى الشام وقصته مع بحيرى الراهب.

    وهو دليل من دلائل صدق نبوته صلى الله عليه وسلم وهو أن أهل الكتاب كانوا يعرفونه بصفاته التي ذكرت في كتبهم .

    أخرج الترمذي في جامعه عن أبي موسى الأشعري قال: «خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش( ١)، فلما أشرفوا( ٢)على الراهب( ٣) هبطوا فحلوا رحالهم( ٤)، فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت». قال: " فهم يحلون رحالهم، فجعل يتخللهم( ٥) الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، يبعثه الله رحمة للعالمين "، فقال له أشياخ من قريش: ما علمك، فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجداً ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، ثم رجع فصنع لهم طعاماً، فلما أتاهم به وكان هو في رِعْية( ٦) الإبل، قال: أرسلوا إليه، فأقبل وعليه غمامة( ٧) تظله، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه، فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه، قال: فبينما هو قائم عليهم وهو يناشدهم( ٨) أن لا يذهبوا به إلى الروم، فإن الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه.

    فالتفت فإذا بسبعة قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم، فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جئنا، إن هذا النبي خارج في هذا الشهر، فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس وإنا قد أخبرنا خبره فبعثنا إلى طريقك هذا، فقال: هل خلفكم أحد هو خير منكم؟ قالوا: إنما أخبرنا خبره بطريقك هذا. قال: أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا: لا، قال: فبايعوه وأقاموا معه قال: أنشدكم بالله أيكم وليه؟ قالوا: أبو طالب، فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب، وبعث معه أبو بكر بلالاً، وزوده الراهب من الكعك والزيت " قال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه». انتهى .

    ---------------

    ( ١) أكابرهم شرفاً أو سناً.

    ( ٢) اطلعوا عليه من مكان مرتفع .

    ( ٣) عابد من عباد النصارى ، وجاء في رواية اسمه بحيرى .

    ( ٤) حلوا الأحمال التي على ظهور الإبل .

    ( ٥) أي أخذ يمشي فيما بين القوم يبحث عن شخص.

    ( ٦) أي في رعايتها.

    ( ٧) السحابة .

    ( ٨) أي يقسم عليهم ، ويطلب منهم ذلك .

    هذا الحديث صحيح، صححه جمع من العلماء ، ولكن فيه قوله: (وبعث معه أبو بكر بلالاً) أشكلت على العلماء؛ لأن من المقرر عندهم أن عمر النبي صلى الله عليه وسلم وقتها اثنا عشرة سنة، فالبعض ضعفه لأجل هذه الزيادة، والبعض ضعف الزيادة فقط، والبعض صححها وأجاب عن الإشكال .

    قال شيخنا الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند من دلائل النبوة :

    قال المباركفوري رحمه الله : "قال الجزري: إسناده صحيح ، رجاله رجال الصحيح أو أحدهما، وذِكرُ أبي بكر وبلال فيه غير محفوظ، وعده أئمتنا وهماً وهو كذلك ؛ فإن سن النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك اثنا عشرة سنة، وأبو بكر أصغر منه بسنتين، وبلال لعله لم يكن ولد في ذلك الوقت" انتهى.

    وقال في ميزان الاعتدال: قيل مما يدل على بطلان هذا الحديث قوله وبعث معه أبو بكر بلالاً ، وبلال لم يخلق بعد ، وأبو بكر كان صبياً. انتهى، وضعف الذهبي هذا الحديث لقوله: وبعث معه أبو بكر بلالاً؛ فإن أبا بكر إذ ذاك ما اشترى بلالاً.

    وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة: رجاله ثقات، وليس فيه منكر سوى هذه اللفظة ، فيحتمل أنها مدرجة فيه، مقتطعة من حديث آخر؛ وهماً من أحد رواته.انتهى كذا في المواهب اللدنية.

    وقال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد: ثم كفله عمه أبو طالب، واستمرت كفالته له، فلما بلغ ثنتي عشرة سنة خرج به عمه إلى الشام، وقيل كانت سنه تسع سنين، وفي هذه الخرجة رآه بحيرا الراهب، وأمر عمه أن لا يقدم به إلى الشام خوفاً عليه من اليهود ، فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى المدينة.

    ووقع في كتاب الترمذي وغيره أنه بعث معه بلالاً ، وهو من الغلط الواضح؛ فإن بلالاً إذ ذاك لعله لم يكن موجوداً ، وإن كان؛ فلم يكن مع عمه ولا مع أبي بكر، وذكر البزار في مسنده هذا الحديث، ولم يقل: وأرسل معه عمه بلالاً، ولكن قال رجلاً. انتهى من التحفة.انتهى كلام شيخنا الوادعي رحمه الله .

    وأما الإمام الالباني رحمه الله في حاشية على صحيح السيرة ؛ فصحح الحديث واللفظة أيضاً، ورد كون عمر النبي صلى الله عليه وسلم وقتها كان ثنتي عشرة سنة ، وقال: هذا غير محفوظ؛ فإنه ذكره مقيداً بهذا الواقدي كما قال المؤلف والواقدي متروك متهم فمن الممكن أن تكون القصة وقعت بعد ذلك بسنين فلا يجوز إعلالها بمثل قول الواقدي المنكر .انتهى باختصار .

    قلت: والصواب ما قاله ابن القيم وتؤيده رواية البزار، فحتى لو سلمنا بعدم ثبوت السن فالنكارة باقية ، فبلال لم يكن وقتها مع أبي بكر، والله أعلم .

     

    كتبه أبو الحسن علي الرملي

    ‏5‏/11‏/1439هجري

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم