9- حال الناس قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم


  • 9- حال الناس قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

    قال المغيرة بن شعبة لعامل كسرى -أي قائد جيشه-: «نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ العَرَبِ، *كُنَّا فِي شَقَاءٍ شَدِيدٍ وَبَلاَءٍ شَدِيدٍ، نَمَصُّ الجِلْدَ وَالنَّوَى مِنَ الجُوعِ، وَنَلْبَسُ الوَبَرَ وَالشَّعَرَ، وَنَعْبُدُ الشَّجَرَ وَالحَجَرَ*، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرَضِينَ - تَعَالَى ذِكْرُهُ وَجَلَّتْ عَظَمَتُهُ - إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، فَأَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، أَوْ تُؤَدُّوا الجِزْيَةَ، وَأَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا، أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ، وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا مَلَكَ رِقَابَكُمْ». أخرجه البخاري .

    وقال أبو رجاء العُطارِدي: «كنا نَعْبُدُ الحَجَرَ، فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ أَخْيَرُ مِنْهُ أَلْقَيْنَاهُ، وَأَخَذْنَا الآخَرَ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ( ١)، ثُمَّ جِئْنَا بِالشَّاةِ فَحَلَبْنَاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُفْنَا بِهِ، فَإِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ قُلْنَا: مُنَصِّلُ الأَسِنَّةِ( ٢)، فَلاَ نَدَعُ رُمْحًا فِيهِ حَدِيدَةٌ، وَلاَ سَهْمًا فِيهِ حَدِيدَةٌ، إِلَّا نَزَعْنَاهُ وَأَلْقَيْنَاهُ شَهْرَ رَجَبٍ ».

    وعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: " أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ، مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ، *وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ( ٣) كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ( ٤) عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا( ٥)، وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ( ٦) عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ*( ٧)، وَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ....»إلخ أخرجه مسلم

    وعَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي موْلَايَ: أَنَّ أَهْلَهُ بَعَثُوا مَعَهُ بِقَدَحٍ فِيهِ زُبْدٌ وَلَبَنٌ إِلَى آلِهَتِهِمْ، قالَ: فَمَنَعَنِي أَنْ آكُلَ الزُّبْدَ لِمَخَافَتِهَا، قَالَ: " فَجَاءَ كَلْبٌ فَأَكَلَ الزُّبْدَ وَشَرِبَ اللَّبَنَ، ثُمَّ بَالَ عَلَى الصَّنَمِ وَهُوَ: إِسَافٌ، وَنَائِلَةُ ". قَالَ هَارُونُ :كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا سَافَرَ، حَمَلَ مَعَهُ أَرْبَعَةَ أَحْجَارٍ ثَلَاثَةٌ لِقِدْرِهِ( ٨) وَالرَّابِعُ يَعْبُدُهُ، وَيُرَبِّي كَلْبَهُ، وَيَقْتُلُ وَلَدَهُ( ٩). أخرجه أحمد والدارمي .
    ــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) القطعة من التراب تجمع فتصير كوماً.

    (2) أي شهر رجب؛ الشهر الذي ينزع فيه الحديد من السلاح؛ لأجل شهر رجب، إشارة إلى تركهم القتال؛ لأنهم كانوا ينزعون الحديد من السلاح في الأشهر الحرم.

    (3) يعني على استقامة وسلامة.

    (4) أي ذهبوا بهم وأزالوهم عما كانوا عليه، وانحرفوا بهم إلى الباطل.

    (5) وأمرتهم أن يعبدوا معه غيره من الأصنام والشجر والحجر وغيرها من الأشياء التي ليس على إشراكها دليل، فالسلطان هو الحجة والدليل.

    (6) أبغضهم.

    (7) أي قليل من اليهود والنصارى بقوا متمسكين بما يعلمونه من دينهم.

    (8) ثلاثة يضعها حول النار كي يضع القدر عليها لطهي الطعام.

    (9) واليوم الكثير من الناس يربي الواحد منهم حيوانه الأليف ويشتري له الطعام الفاخر، ويقصر في أبنائه.

    هذه الأحاديث وغيرها كثير من الكتاب والسنة، يدل على أن العرب كانوا في شر حال قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا دنيا ولا دين، كانوا في فقر وحاجة، وكان يقتل بعضهم بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً، ويحرمون ما شاءوا ويحلون ما شاءوا ، وكانوا يعبدون غير الله من الأصنام وغيرها ؛ يطوفون حولها ويتقربون إليها بأنواع القرب من اللبن والزبد والذبح والنذر ، ويدعونها ويستغيثون بها ويطوفون بها، ويخافونها كما يخافون الله، كما نفعل نحن في عبادة الله وحده.

    هذا معنى الشرك ، حتى جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم ففتح الله عليهم بأنواع الخيرات الدينية والدنيوية ، فوحدوا الله وعبدوه وأقاموا شرعه في الأرض كما يحب ويرضى ؛ ففتح عليهم ورزقهم كنوز فارس والروم ، كما وعدهم .

    واليوم رجع الكثير منهم إلى ما كانوا عليه في الجاهلية في أمور دينهم من عبادة الأولياء والقبور، يتقربون إليها بأنواع القرب من ذبح ونذر واستغاثة ودعاء؛ فأشرك الكثير منهم مع الله غيره في عبادته ، وتركوا الكثير من شرعه ودينه إلا من رحم الله منهم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا سيحصل فحصل كما أخبر عليه الصلاة والسلام؛ بل بعضهم فاق حتى أهل الجاهلية بأنواع الدعوات الكفرية كالعلمانية والشيوعية؛ لذلك أذلهم الله وسلط عليهم الأمم؛ لأن عزة هذه الأمة وفوزها بالدارين متعلق بتمسكهم بشرع ربهم فقط، فليسوا كبقية الأمم . والله المستعان.

     

    كتبه أبو الحسن علي الرملي

    ٨ / ١١ / ١٤٣٩ هجري

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم