11- شهود النبي صلى الله عليه وسلم حلف الفُضُول


  • من صحيح السيرة النبوية

    11- شهود النبي صلى الله عليه وسلم حلف الفُضُول

    أخرج الإمام أحمد في مسنده، والبخاري في الأدب المفرد، وابن حبان في صحيحه وغيرهم حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «شَهِدْتُ حِلْفَ(1) الْمُطَيَّبِينَ مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلامٌ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ(2)، وَأَنِّي أَنْكُثُهُ(3)».

    وله شاهد متصل من حديث أبي هريرة، ومرسل عن طلحة بن عبد الله بن عوف، لا بأس بهما كشاهدين.

    قال البيهقي بعد إخراج هذه الأحاديث والشواهد في سننه الكبرى:

    قال القتيبي فيما بلغني عنه: وكان سبب الحلف أن قريشاً كانت تتظالم بالحرم، فقام عبد الله بن جدعان والزبير بن عبد المطلب فدعاهم إلى التحالف على التناصر، والأخذ للمظلوم من الظالم، فأجابهما بنو هاشم وبعض القبائل من قريش. قال الشيخ: قد سماهم ابن إسحاق بن يسار قال: بنو هاشم بن عبد مناف، وبنو المطلب بن عبد مناف، وبنو أسد بن عبد العزى بن قصي، وبنو زهرة بن كلاب، وبنو تيم بن مرة.

    قال القتيبي: فتحالفوا في دار عبد الله بن جدعان، فسموا ذلك الحلف حلف الفضول تشبيهاً له بحلف كان بمكة أيام جُرهُم(4) على التناصف والأخذ للضعيف من القوي، وللغريب من القاطن(5)، قام به رجال من جرهم يقال لهم: الفضل بن الحارث، والفضل بن وداعة، والفضل بن فضالة، فقيل حلف الفضول جمعاً لأسماء هؤلاء.

    قال غير القتيبي في أسماء هؤلاء: فضل وفضال وفضيل وفضالة.

    قال القتيبي: والفضول جمع فضل، كما يقال: سعد وسعود، وزيد وزيود.

    والذي في حديث عبد الرحمن بن عوف حلف المُطَيَّبين(6).

    قال القتيبي: أحسبه أراد حلف الفُضُول؛ للحديث الآخر، ولأن المطيبين هم الذين عقدوا حلف الفضول.

    قال: وأي فضل يكون في مثل التحالف الأول، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أحب أن أنكثه وأن لي حمر النعم " ولكنه أراد حلف الفضول الذي عقده المطيبون.

    قال محمد بن نصر المروزي: قال بعض أهل المعرفة بالسير وأيام الناس: إن قوله في هذا الحديث: حلف المطيبين، غلط، إنما هو حلف الفضول؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدرك حلف المطيبين؛ لأن ذلك كان قديماً قبل أن يولد بزمان. انتهى باختصار.

    قلت: حلف المطيبين حلف آخر غير حلف الفضول.

    قال الطحاوي في مشكل الآثار: وكان حلف المطيبين عند أهل الأنساب جميعا كان قبل عام الفيل بمدة طويلة، وكان ذلك الحلف في ثمانية أبطن من قريش، وهم: هاشم، والمطلب، وعبد شمس، ونوفل بنو عبد مناف، وتيم بن مرة، وأسد بن عبد العزى، وزهرة بن كلاب، والحارث بن فهر، لما حاول بنو عبد مناف إخراج السقاية(7) واللواء(8) من بني عبد الدار، فتحالفت هذه الثمانية الأبطن على ذلك، وبعثت إليهم أم حكيم بنت عبد المطلب بجفنة(9) فيها طيب، فغمسوا فيها أيديهم، ثم ضربوا بها الكعبة توكيدا لحلفهم ذلك، فسموا بذلك المطيبين، ثم تركوا ما كان في بني عبد الدار في أيديهم كما كان، لما خافوا أن يقع في ذلك قتال أن يدخل عليهم العرب، وكان مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في عام الفيل.... ثم ذكر ما يدل على أن ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم كان عام الفيل، ثم ذكر قصة يمني ظلم في مكة أخذ العاص بن وائل السهمي بضاعته منه ظلماً وقام في مكة يشكو، ثم قال:

    فلما سمعت قريش ذلك أعظمت ما عمل السهمي، فتحالفوا عند ذلك حلف الفضول، وكان الذي تعاقدوه...ثم ذكر بإسناده عن محمد بن إسحاق المطلبي قال: " وأما حلف الفضول، فإن قبائل من قريش اجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان: بنو هاشم، وبنو المطلب، وأسد بن عبد العزى، وزهرة بن كلاب، وتيم بن مرة، فتعاقدوا وتحالفوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها، ومن غيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه، حتى يردوا عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول، وكان أهله المذكورون في هذا الحديث مطيبين جميعاً، لأنهم من المطيبين الذين كانوا في الحلف الأول الذي ذكرناه منهم " .

    فكان قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رويناه: " شهدت مع عمومتي حلف المطيبين "، هو حلف الفضول الذي تحالفه المطيبون، وهم هؤلاء النفر الذين كانوا في الحلف الأول الذي لم يشهده رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبان بحمد الله: أن ذلك الحديث لم يكن بمخالف إذ كان له هذا الوجه الذي قد ذكرناه. انتهى كلام الطحاوي. والله أعلم

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) الحلف: المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق.

    (2) حُمْر النَّعَم: الإبل الحمراء وكانت أفضل الأموال وأحبها إلى العرب.

    (3) أنكثه: أي أنقضه، أُبطله، يقال: نَكَثَ العَهْدَ: أي نَقضَهُ، أَبطله.

    (4) قبيلة من قبائل العرب، سكنت مكة أيام إسماعيل عليه السلام وأمه.

    (5) قَطَنَ بالمكان يَقْطُنُ: أقام به وتوطنه، فهو قاطن، يعني من أهل البلد، وليس من الغرباء.

    (6) هما حلفان: حلف المُطَيَّبين وكان قبل ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان تحالفاً بسبب نزاع بين بطون القبائل على الرياسة والجاه والشرف، وحلف الفُضُول الذي شهده النبي صلى الله عليه وسلم، وكان تحالفاً لنصرة المظلوم فهو أفضل من الأول، وسيأتي إن شاء الله إيضاحه .

    (7) السقاية: سقي الحجاج، كانوا يتفاخرون بمثل هذا، ويعتبرونه شرفاً للقبيلة التي تقوم به.

    (8) اللواء: مثل الراية إلا أنه يلف لفاً لا يرفرف كالراية، وهو لواء الحرب .

    قال الزُّبيرُ بْن بَكّار: قَسَم قُصيٌّ -أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم- مكارمَه بين ولده، فأعطى عبْدَ مناف – جد جد النبي صلى الله عليه وسلم- السِّقايةَ والنَّدْوةَ، وأعطى عَبْدَ الدارِ الحجابةَ واللِّواءَ، وأعطى عَبْدَ العُزَّى الرِّفادةَ، وأعطى عبْدَ بْن قُصَيٍّ جَلْهَتي الوادِي – أي جانبيه-. قَالَ الزُّبَيْر: ثُمَّ اصطلحتْ قُريش عَلَى أن وَلِي هاشم بْن عَبْد مناف السّقايةَ والرِّفادةَ، وأُقِرَّت الحِجابةُ في بني عَبْد الدَّار.

    والرِّفادةُ: الضِّيافة، وكان هاشمُ بْن عَبْد مناف يُخرِجُ في كلّ مَوْسمٍ من مواسم الحَجِّ مالًا كبيرًا من أطيب ماله، ويترافدُ سائِر القبائل من قُريش، فتُرسِل كلُّ قبيلة بشيء ثُمَّ يَجمعُونه فيَشْتَرون بِهِ الجُزُر- جمع جَزور، وهو ما يصلُح لأن يُذبح من الإبل- والكعك والسويق، فينحرونها ويطعمون الحاجَّ ويَسْقُونهم، وكانوا يقولون: نحن أهْلُ اللهِ وجِيرانُ بيْتِه، والحاجُّ وفْدُ الله وأَضْيافُه، فنحن أوْلى بقِراهُم، وإنما سُمّي هاشمًا واسْمُهُ عَمْرو لأنّه هَشَم الثَّريدَ وأطعم في عام جَدْبٍ. انتهى من غريب الحديث للخطابي.

    (9) الجفنة: إناء كبير .

     

    في هذا من الفقه جواز التحالف مع الكفار فيما تجيزه الشريعة ويعود على الناس بالخير .

     

    كتبه أبو الحسن علي الرملي

    11 / 11/ 1439 هجري

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم