13- تجديد قريش بناء الكعبة


  • من صحيح السيرة النبوية

    13- *تجديد قريش بناء الكعبة*

    ( الجزء الأول)

    أخرج البخاري في صحيحه قصة وضع إبراهيم لهاجر وإسماعيل في مكة وتركهما وحدهما، ولا أحد فيها من البشر، وظهور ماء زمزم، ثم مجيء قبيلة جُرهُم مكة وسكنهم مع هاجر وابنها، وبناء إبراهيم وإسماعيل الكعبة بعد أن أمره الله تبارك وتعالى بذلك، قال في آخر الحديث:

    ثم جاء بعد ذلك – أي إبراهيم- ، وإسماعيل يبري نبلاً(1) له تحت دوحة(2) قريباً من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثم قال يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني ها هنا بيتاً، وأشار إلى أكمة(3) مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} [البقرة: 127]، قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} [البقرة: 127]. انتهى

    اختلف أهل العلم هل إبراهيم هو أول من أسس قواعد البيت وبناه، أم أن قواعد البيت كانت مؤسسة وموجودة سابقاً وهو بنى عليها؟

    الذي يظهر من الروايات أن القواعد كانت موجودة سابقاً، وهو بنى عليها. والله أعلم

    *وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقبل البعثة جددت قريش بناءها*

    أخرج عبد الرزاق وأحمد وغيرهما عن معمر، عن عبد الله، عن أبي الطفيل – صحابي- قال: " كانت الكعبة في الجاهلية مبنية بالرضم(4) ليس فيها مدر(5)، وكانت قدر ما يقتحمها العناق(6)، وكانت غير مسقوفة، وإنما توضع ثيابها عليها، ثم يسدل سدلاً(7) عليها، وكان الركن الأسود موضوعاً على سورها بادياً، وكانت ذات ركنين كهيئة هذه الحلقة(8)، فأقبلت سفينة من أرض الروم، حتى إذا كانوا قريباً من جُدة انكسرت السفينة، فخرجت قريش ليأخذوا خشبها، فوجدوا رومياً عندها فأخذوا الخشب، أعطاهم إياها، وكانت السفينة تريد الحبشة، وكان الرومي الذي في السفينة نجاراً، فقدموا بالخشب، وقدموا بالرومي.

    فقالت قريش: نبني بهذا الخشب بيت ربنا.

    فلما أن أرادوا هدمه إذا هم بحية على سور البيت، مثل قطعة الجائز(9)، سوداء الظهر، بيضاء البطن، فجعلت كلما دنا أحد من البيت ليهدمه أو يأخذ من حجارته، سعت إليه فاتحة فاها.

    فاجتمعت قريش عند الحرم، فعجُّوا إلى الله، وقالوا: ربنا لم تُرَع (10)، أردنا تشريف بيتك وترتيبه، فإن كنتَ ترضى بذلك، وإلا فما بدا لك فافعل، فسمعوا خِوارا(11) في السماء، فإذا هم بطائر أعظم من النسر، أسود الظهر، وأبيض البطن والرجلين، فغرز مخالبه في قفا الحية، ثم انطلق بها يجرها، وذنبها أعظم من كذا وكذا، ساقط، حتى انطلق بها نحو أجياد.

    فهدمتها قريش، وجعلوا يبنونها بحجارة الوادي، تحملها قريش على رقابها، فرفعوها في السماء عشرين ذراعاً.

    فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يحمل حجارة من أجياد وعليه نمرة (12)، إذ ضاقت عليه النمرة، فذهب يضع النمرة على عاتقه، فبدت عورته من صغر النمرة، فنودي: «يا محمد، خمر عورتك»، فلم ير عرياناً بعد ذلك، وكان بين الكعبة وبين ما أنزل الله عليه خمس سنين، وبين مخرجه وبنائها خمس عشرة سنة. انتهى مختصراً

    وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال: لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان حجارة، فقال العباس، للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل إزارك على عاتقك من الحجارة، ففعل؛ فخر إلى الأرض، وطمحت عيناه إلى السماء، ثم قام فقال: «إزاري إزاري» فشد عليه إزاره. وفي رواية: فسقط مغشياً عليه، فما رئي بعد ذلك عرياناً صلى الله عليه وسلم.

    ـــــــــــــــــــــ

    (1) أي ينحت سهماً ويصلحه.

    (2) شجرة.

    (3) ما اجتمع من الحجارة في مكان واحد.

    (4) الصخور العظيمة.

    (5) الطين الشَّديد الصلب.

    (6) الأنثى من المعز إذا قويت ما لم تستكمل سنة.

    (7) السدل هو الإرسال، أي إرخاء الثوب عليها من الأعلى إلى الأسفل.

    (8) سنرفق لك صورة الحلقة كما رسمها الحافظ في الفتح.

    (9) الخشبة المعترضة في السقف توضع عليها أطراف الجذوع.

    (10) أصل الروع الخوف، ومرادهم بيان قصدهم وأنهم يريدون الخير لا يريدون الضرر.

    (11) سمعوا صياحاً.

    (12) نوع من الثياب، بردة من صوف مخطط.

     

    كتبه أبو الحسن علي الرملي

    15 / 11 / 1439 هجري

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم