14- تجديد قريش بناء الكعبة الجزء الثاني


  • من صحيح السيرة النبوية

    ١٤- *تجديد قريش بناء الكعبة*

    ( الجزء الثاني)

    قال الإمام الألباني رحمه الله في صحيح السيرة النبوية:

    روى أحمد عن مجاهد عن مولاه - وهو السائب بن عبد الله - أنه حدثه:

    أنه كان فيمن بنى الكعبة في الجاهلية، قال: وكان لي حجر أنا نحتُّه بيدي أعبده من دون الله، قال: وكنت أجيء باللبن الخاثر(1) الذي أنفِسه(2) على نفسي، فأصبه عليه، فيجيء الكلب فيلحسه، ثم يشغر(3)، فيبول عليه، قال:

    فبنينا حتى بلغنا موضع الحَجَر، ولا يرى الحجر أحد، فإذا هو وسط أحجارنا مثل رأس الرجل، يكاد يتراءى منه وجه الرجل(4).

    فقال بطن(5) من قريش: نحن نضعه.

    وقال آخرون: نحن نضعه.

    فقالوا: اجعلوا بينكم حكماً.

    فقالوا: أول رجل يطلع من الفجّ (6)، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتاكم الأمين.

    فقالوا له، فوضعه في ثوب، ثم دعا بطونهم، فرفعوا نواحيه معه، فوضعه هو صلى الله عليه وسلم.

    قلت: وقد كانوا أخرجوا منها الحجر - وهو ستة أذرع أو سبعة أذرع من ناحية الشام (7) - قصرت بهم النفقة - أي: لم يتمكنوا أن يبنوه على قواعد إبراهيم - وجعلوا للكعبة باباً واحداً من ناحية المشرق، وجعلوه مرتفعاً لئلا يدخل إليها كل أحد، فيدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا.

    وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها:

    «ألم تري أن قومك قصرت بهم النفقة؟ ولولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة وجعلت لها باباً شرقياً وباباً غربياً وأدخلت فيها الحِجْر»

    ولهذا لما تمكن ابن الزبير بناها على ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءت في غاية البهاء والحسن والسناء، كاملة على قواعد الخليل، لها بابان ملتصقان بالأرض شرقاً وغرباً، يدخل الناس من هذا ويخرجون من الآخر.

    فلما قَتل الحجاجُ ابنَ الزبير؛ كتب إلى عبد الملك بن مروان - وهو الخليفة يومئذ - فيما صنعه ابن الزبير - واعتقدوا أنه فعل ذلك من تلقاء نفسه - فأمر بإعادتها إلى ما كانت عليه. . . فهي إلى الآن كذلك.

    انتهى، باختصار بعد حذف الضعيف منه.

    قلت: أراد النبي صلى الله عليه وسلم تغيير بناء الكعبة، كي يُدخل فيها الجزء الذي تركته قريش بسبب قلة النفقة، ويلزقها بالأرض، ويفتح لها بابين كي يتيسر للناس دخولها، ويستخرج كنزها وينفقه في سبيل الله، ولكنه ترك ذلك دفعاً للمفسدة، فلما تولى عبد الله بن الزبير الأمر وكان على علم بما أراده النبي صلى الله عليه وسلم، أعاد بناءها وفعل ما أراده النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد أن قتل عبد الله بن الزبير، وتولى الحجاج بن يوسف تحت إمرة عبد الملك بن مروان، أعادها إلى بنائها الأول، ظناً منهم أن ما فعله ابن الزبير اجتهادا منه، لا عن نص نبوي، فلما علم عبد الملك بالنص النبوي ندم(8) ثم آخر أمر الكعبة سيخربها رجل من الحبشة، يقال له (ذو السويقتين) في آخر الزمان(9)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كأني به أسود أفحج، يقلعها حجراً حجراً»(10). انتهى اختصرت قصتها لأنها خارجة عن موضوعنا هنا، ولعدم الإطالة، وسأضع المراجع لمن أراد المراجعة. والله أعلم

    ــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) اللبن الذي ثخن وغلظ.

    (2) أي أبخل به على نفسي لنفاسته عندي.

    (3) رفع إِحْدَى رجلَيْهِ ليبول.

    (4) أي يكاد يُرى وجه الرجل من نوره.

    (5) البطن بعض القبيلة، قال العلماء: أَنْسَاب الْعَرَب سِتّ مَرَاتِب تجمع أنسابهم، وهي – من الأكثر إلى الأقل- شعب ثمَّ قَبيلَة ثمَّ عِمَارَة ثمَّ بطن ثمَّ فَخذ ثمَّ فصيلة.

    فالفخذ تجمع الفصائل، والبطن تجمع الأفخاذ، والعِمارة تجمع الْبُطُون، والقبيلة تجمع العمائر، والشعب يجمع الْقَبَائِل.

    (6) الطريق الواضح الواسع.

    (7) أي ثلاثة أمتار أو ثلاثة أمتار ونصف، من جهة الشام.

    (8) من بداية كلامي إلى هنا تجد دليله مفصلاً في السلسلة الصحيحة للإمام الألباني رحمه الله (رقم43، 1المجلد 1 / القسم 1 / ص 105- 109)

    (9) أخرجه البخاري (1596)، ومسلم (2909).

    (10) أخرجه البخاري (1595).

     

    كتبه أبو الحسن علي الرملي

    17 / 11 / 1439 هجري

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم