20- إسلام أبي بكر الصديق


  • من صحيح السيرة النبوية

    20- *إسلام أبي بكر الصديق*

    هو عبد الله بن عثمان (أبي قحافة) بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيِّم بن مُرَّة بن كعب بن لؤيّ القرشي التميمي، أبو بكر الصديق بن أبي قحافة، خليفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلّم.

    يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب.

    أمّه أم الخير بنت صخر بن عامر ابنة عم أبيه.

    قال النووي: وهذا الذي ذكرناه من أن اسم أبي بكر الصديق (عبد الله) هو الصحيح والمشهور، وقيل: اسمه عتيق، والصواب الذي عليه العلماء كافة أن عتيقًا لقب له لا اسم، ولقب عتيقًا لعتقه من النار، وقيل لحسن وجهه وجماله، قاله الليث بن سعد وجماعة.

    وقال: وأجمعت الأئمة على تسميته صديقًا...انتهى

    قلت: صح عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أنه قَالَ: أَبُو بَكْرٍ سَمَّيْتُمُوهُ الصِّدِّيقَ وَأَصَبْتُمُ اسْمَهُ. انتهى

    وصح عن قيس بن أبي حازم أنه قال: دخلت مع أبي على أبي بكر وكان رجلاً نحيفاً خفيف اللحم أبيض.

    وصح عن أبي بكر أنه كان يصبغ لحيته ورأسه بالحناء والكتم.

    الكتم: نبت يصبغ به.

    وقال النووي: وكانت له في الإسلام مواقف رفيعة، منها قصته يوم ليلة الإسراء وثباته، وجوابه للكفار في ذلك، وهجرته مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وترك عياله وأطفاله، وملازمته في الغار وسائر الطريق، ثم كلامه يوم بدر، ويوم الحديبية حتى اشتبه الأمر على غيره في تأخر دخول مكة، ثم بكاؤه حين قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن عبدًا خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله... ".

    ثم ثباته في وفاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخطبته الناس وتسكينهم، ثم قيامه فى قصة البيعة بمصلحة المسلمين، ثم اهتمامه وثباته في بعض جيش أسامة بن زيد إلى الشام وتصميمه في ذلك، ثم قيامه فى قتال أهل الردة، ومناظرته للصحابة حتى حجهم بالدلائل، وشرح الله صدورهم لما شرح الله صدره من الحق، وهو قتال أهل الردة، ثم تجهيزه الجيوش إلى الشام لفتوحه وإمدادهم بالأمداد، ثم ختم ذلك بمهم من أحسن مناقبه وأجل فضائله، وهو استخلافه على المسلمين عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وتفرسه فيه، ووصيته له، واستيداعه الله الأمة، فخلفه الله عز وجل فيهم أحسن الخلافة، وظهر لعمر الذى هو حسنة من حسناته، وواحدة من فعلاته تمهيد الإسلام، وإعزاز الدين، وتصديق وعد الله تعالى بأنه يُظهر على الدين كله.

    وكم للصديق من مواقف وأثر، ومن يحصى مناقبه ويحيط بفضائله غير الله عز وجل...انتهى

    صحب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم قبل البعثة، وسبق إلى الإيمان به، واستمرّ معه طول إقامته بمكة، ورافقه في الهجرة، وفي الغار، وفي المشاهد كلها إلى أن مات، وكانت الراية معه يوم تبوك، وحجّ في الناس في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلّم سنة تسع، واستقرّ خليفة في الأرض بعده، ولقّبه المسلمون خليفة رسول اللَّه.

    قال ابن إسحاق: كان أنسب العرب. وقال العجليّ: كان أعلم قريش بأنسابها. وقال ابن إسحاق في السيرة الكبرى: كان أبو بكر رجلا مؤلفا لقومه محببا سهلا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلمهم مما كان منها من خير أو شر، وكان تاجرا ذا خلق ومعروف، وكانوا يألفونه لعلمه وتجاربه وحسن مجالسته. فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به، فأسلم على يديه عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف.

    قال عمار بن ياسر: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وَمَا مَعَهُ إِلَّا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ، وَأَبُو بَكْرٍ» أخرجه البخاري.

    وفي «تاريخ» محمد بن عثمان بن شيبة، عن سالم بن أبي الجعد: قلت لمحمد بن الحنفية: لأي شيء قدم أبو بكر حتى لا يذكر فيهم غيره؟ قال: لأنه كان أفضلهم إسلاما حين أسلم، فلم يزل كذلك حتى قبضه الله.

    أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت: «لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار، بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون، خرج أبو بكر مهاجراً قِبل الحبشة، حتى إذا بلغ بَرْكَ الغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، وهو سيد القارة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض، فأعبد ربي، قال ابن الدغنة: إن مثلك لا يَخْرُجُ وَلاَ يُخْرَجُ، فإنك تَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، وأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلادك، فارتحل ابن الدغنة، فرجع مع أبي بكر، فطاف في أشراف كفار قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة، وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر، فليعبد ربه في داره، فليصل، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونسا أبو الحسن علي الرملي, [٢٥.٠٨.١٨ ١٤:٠٨]

    *من صحيح السيرة النبوية*

    20- *إسلام أبي بكر الصديق*

    هو عبد الله بن عثمان (أبي قحافة) بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيِّم بن مُرَّة بن كعب بن لؤيّ القرشي التميمي، أبو بكر الصديق بن أبي قحافة، خليفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلّم.

    يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب.

    أمّه أم الخير بنت صخر بن عامر ابنة عم أبيه.

    قال النووي: وهذا الذي ذكرناه من أن اسم أبي بكر الصديق (عبد الله) هو الصحيح والمشهور، وقيل: اسمه عتيق، والصواب الذي عليه العلماء كافة أن عتيقًا لقب له لا اسم، ولقب عتيقًا لعتقه من النار، وقيل لحسن وجهه وجماله، قاله الليث بن سعد وجماعة.

    وقال: وأجمعت الأئمة على تسميته صديقًا...انتهى

    قلت: صح عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أنه قَالَ: أَبُو بَكْرٍ سَمَّيْتُمُوهُ الصِّدِّيقَ وَأَصَبْتُمُ اسْمَهُ. انتهى

    وصح عن قيس بن أبي حازم أنه قال: دخلت مع أبي على أبي بكر وكان رجلاً نحيفاً خفيف اللحم أبيض.

    وصح عن أبي بكر أنه كان يصبغ لحيته ورأسه بالحناء والكتم.

    الكتم: نبت يصبغ به.

    وقال النووي: وكانت له في الإسلام مواقف رفيعة، منها قصته يوم ليلة الإسراء وثباته، وجوابه للكفار في ذلك، وهجرته مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وترك عياله وأطفاله، وملازمته في الغار وسائر الطريق، ثم كلامه يوم بدر، ويوم الحديبية حتى اشتبه الأمر على غيره في تأخر دخول مكة، ثم بكاؤه حين قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن عبدًا خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله... ".

    ثم ثباته في وفاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخطبته الناس وتسكينهم، ثم قيامه فى قصة البيعة بمصلحة المسلمين، ثم اهتمامه وثباته في بعض جيش أسامة بن زيد إلى الشام وتصميمه في ذلك، ثم قيامه فى قتال أهل الردة، ومناظرته للصحابة حتى حجهم بالدلائل، وشرح الله صدورهم لما شرح الله صدره من الحق، وهو قتال أهل الردة، ثم تجهيزه الجيوش إلى الشام لفتوحه وإمدادهم بالأمداد، ثم ختم ذلك بمهم من أحسن مناقبه وأجل فضائله، وهو استخلافه على المسلمين عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وتفرسه فيه، ووصيته له، واستيداعه الله الأمة، فخلفه الله عز وجل فيهم أحسن الخلافة، وظهر لعمر الذى هو حسنة من حسناته، وواحدة من فعلاته تمهيد الإسلام، وإعزاز الدين، وتصديق وعد الله تعالى بأنه يُظهر على الدين كله.

    وكم للصديق من مواقف وأثر، ومن يحصى مناقبه ويحيط بفضائله غير الله عز وجل...انتهى

    صحب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم قبل البعثة، وسبق إلى الإيمان به، واستمرّ معه طول إقامته بمكة، ورافقه في الهجرة، وفي الغار، وفي المشاهد كلها إلى أن مات، وكانت الراية معه يوم تبوك، وحجّ في الناس في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلّم سنة تسع، واستقرّ خليفة في الأرض بعده، ولقّبه المسلمون خليفة رسول اللَّه.

    قال ابن إسحاق: كان أنسب العرب. وقال العجليّ: كان أعلم قريش بأنسابها. وقال ابن إسحاق في السيرة الكبرى: كان أبو بكر رجلا مؤلفا لقومه محببا سهلا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلمهم مما كان منها من خير أو شر، وكان تاجرا ذا خلق ومعروف، وكانوا يألفونه لعلمه وتجاربه وحسن مجالسته. فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به، فأسلم على يديه عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف.

    قال عمار بن ياسر: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وَمَا مَعَهُ إِلَّا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ، وَأَبُو بَكْرٍ» أخرجه البخاري.

    وفي «تاريخ» محمد بن عثمان بن شيبة، عن سالم بن أبي الجعد: قلت لمحمد بن الحنفية: لأي شيء قدم أبو بكر حتى لا يذكر فيهم غيره؟ قال: لأنه كان أفضلهم إسلاما حين أسلم، فلم يزل كذلك حتى قبضه الله.

    أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت: «لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار، بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون، خرج أبو بكر مهاجراً قِبل الحبشة، حتى إذا بلغ بَرْكَ الغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، وهو سيد القارة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض، فأعبد ربي، قال ابن الدغنة: إن مثلك لا يَخْرُجُ وَلاَ يُخْرَجُ، فإنك تَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، وأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلادك، فارتحل ابن الدغنة، فرجع مع أبي بكر، فطاف في أشراف كفار قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة، وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر، فليعبد ربه في داره، فليصل، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر، فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بالصلاة، ولا القراءة في غير داره، ثم بدا لأبي بكر، فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز، فكان يصلي فيه، ويقرأ القرآن، فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء، لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم فقالوا له: إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره، وإنه جاوز ذلك، فابتنى مسجدا بفناء داره، وأعلن الصلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فأته، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك، فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان، قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة أبا بكر، فقال: قد علمت الذي عقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترد إلي ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب، أني أخفرت في رجل عقدت له، قال أبو بكر: إني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة...» ثم ذكرت خبر هجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي إن شاء الله(1).

    وأخرج أبو داود في «الزّهد» بسند صحيح عن هشام بن عروة: أخبرني أبي، قال:

    أسلم أبو بكر وله أربعون ألف درهم. قال عروة: وأخبرتني عائشة أنه مات وما ترك دينارا ولا درهما.

    قال الحافظ ابن حجر: ومناقب أبي بكر رضى اللَّه عنه كثيرة جدّا، وقد أفرده جماعة بالتصنيف، وترجمته في تاريخ ابن عساكر قدر مجلدة، ومن أعظم مناقبه قول اللَّه تعالى:{ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله، إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا} [التوبة: 40] فإنّ المراد بصاحبه أبو بكر بلا نزاع...إلى أن قال: وثبت في الصحيحين من حديث أنس أنّ النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم قال لأبي بكر وهما في الغار: «ما ظنّك باثنين الله ثالثهما».

    والأحاديث في كونه كان معه في الغار كثيرة شهيرة، ولم يشركه في هذه المنقبة غيره.

    وفي الصحيح عن عمرو بن العاص: قلت يا رسول الله: أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: «عائشة». قلت: من الرجال؟ قال: «أبوها». قلت: ثم من؟ فذكر رجالا.

    وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ، إِلَّا بَابُ أَبِي بَكْرٍ».

    قال أهل العلم: معناه أكثرهم جوداً وسماحة لنا بنفسه وماله، وليس هو من المَن الذي هو الاعتداد بالصنيعة؛ لأنه أذى مبطل للثواب، ولأن المنة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في قبول ذلك وفي غيره.

    وقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي، إِنِّي قُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ». متفق عليه.

    وبشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة في أكثر من حديث.

    وهو أحد العشرة المبشرين بها.

    وولي الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم بإشارة منه، واجتمع المسلمون عليه بعدها.

    وأخرج البغويّ بسند جيّد عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن جعفر، قال: ولينا أبو بكر فخير خليفة أرحم بنا وأحناه علينا.

    قال النووي: أجمعت الأمة على صحة خلافته وقدمته الصحابة، رضى الله عنهم، لكونه أفضلهم وأحقهم بها من غيره، وحديث بيعته مشهور في الصحيحين معروف، وقد قال علي رضى الله عنه: قدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر يصلي بالناس وأنا حاضر غير غائب، وصحيح غير مريض، ولو شاء أن يقدمني لقدمني، فرضينا لدنيانا من رضيه الله ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لديننا. انتهى

    وتوفي رحمه الله مساء ليلة الثلاثاء سنة ثلاث عشرة من مهاجر النبي - صلى الله عليه وسلم -.

    قال ابن سعد في الطبقات: فكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال، وكان أبو معشر يقول سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال.

    قال: وتوفي رحمه الله وهو ابن ثلاث وستين سنة، مجمع على ذلك في الروايات كلها.

    استوفى سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أبو بكر ولد بعد الفيل بثلاث سنين. انتهى

    ولم يصح شيء في كيفية إسلامه رضي الله عنه فيما وقفت عليه. والله أعلم.

    لم أذكر هنا إلا ما صح، وتركت بعضه للاختصار.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) (ابتلي المسلمون) أصابهم أذى المشركين (برك الغماد) موضع بهجر، وقيل باليمامة (ابن الدغنة) رجل هو سيد قومه (القارة) قبيلة موصوفة بجودة الرمي (أسيح) أسير وأذهب (وأنا لك جار) دخل في جواره، أي أمَّنه، وصار في حمايته، قال المهلب: هذا الجوار كان معروفًا بين العرب، وكان وجوه العرب يجيرون من لجأ إليهم واستجار بهم، وقد أجار أبو طالب النبي - عليه السلام - ولا يكون الجوار إلا من الظلم والعداء، ففي هذا من الفقه: أنه إذا خشى المؤمن على نفسه من ظالم أنه مباح له وجائز أن يستجير بمن يمنعه ويحميه من الظلم، وإن كان مجيره كافرًا، إن أراد الأخذ بالرخصة.

    وإن أراد الأخذ بالشدة على نفسه فله ذلك كما رد أبو بكر الصديق على ابن الدغنة جواره، ورضى بجوار الله وجوار رسوله - عليه السلام - وأبو بكر يومئذ من المستضعفين، فآثر الصبر على ما يناله من أذى المشركين محتسبا على الله وواثقا به، فوفى الله له ما وثق به فيه، ولم ينله مكروه حتى أذن الله لنبيه في الهجرة، فخرج أبو بكر معه ونجاهم الله - تعالى - من كيد أعدائهما حتى بلغ مراده تعالى من إظهار النبوة وإعلاء الدين، وكان لأبي بكر في ذلك من الفضل والسبق في نصرة نبيه وبذل نفسه وماله في ذلك ما لم يخف مكانه، ولا جهل موضعه .انتهى

    قلت: هذا الحال في كل من تمسك بشرع ربه وأراد طاعته ودعا إلى توحيده واتباع شرعه، يُحارَب ويُتهَم بأنواع التهم والأكاذيب ، ويُقلب الحقُّ باطلاً والباطلُ حقاً، على ألسنة أعدائه، فيصير هو الفتان والإرهابي والمفسد والعميل، كما قال فرعون لقومه في موسى عليه السلام، قال تعالى:{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}، وحالنا اليوم كذلك مع أعداء الله ودينه من العلمانيين والرافضة والصوفية ومن والاهم من أهل البدع والضلال وعبيد الدنيا، فواجبنا الصبر كما صبر الصحابة رضي الله عنهم. والله المستعان.

    والأوصاف التي ذكرها لأبي بكر هي نفسها التي ذكرتها خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم معناها، وهي تدل على ما كان أبو بكر يعرف به بينهم من الصفات الحميدة التي اشترك فيها مع النبي صلى الله عليه وسلم.

    (فيتقصف) يزدحم (ذمتك) عهدك (نخفرك) ننقض عهدك.

    كتبه أبو الحسن علي الرملي

    14 / 12 / 1439 هجري

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم