26- تسلط قريش على الصحابة وتعذيبهم وقتلهم


  • من صحيح السيرة النبوية:

    26- قال ابن كثير رحمه الله:  قال ابن إسحاق: ثم إنهم عدوا(1) على من أسلم واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه، فوثبت(2) كل قبيلة على من فيها من المسلمين، فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش، وبرمضاء مكة(3) إذا اشتد الحر، من استضعفوه منهم يفتنونهم عن دينهم.

    فمنهم من يفتن من شدة البلاء الذي يصيبهم، ومنهم من يَصلُب لهم، ويعصمه الله منهم(4).

    وقد تقدم حديث ابن مسعود: أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد.

    فأما رسول الله فمنعه الله بعمه، وأبو بكر منعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون، فألبسوهم أدرع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا؛ إلا بلالاً فإنه هانت عليه نفسه في الله تعالى، وهان على قومه، فأخذوه فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد أحد(5).

    وعن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعمار وأهله وهم يعذبون، فقال: أبشروا آل عمار وآل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة.

    رواه البيهقي عن الحاكم.

    قلت- ابن كثير- : وفي مثل هذا أنزل الله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقبله مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} [النحل: 106]

    فهؤلاء كانوا معذورين بما حصل لهم من الإهانة والعذاب البليغ، أجارنا الله من ذلك بحوله وقوته.

    وعن خباب بن الأرتّ قال:

    كنت رجلاً قَيْناً(6)، وكان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه، فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد. فقلت: لا والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث. قال: فإني إذا مت ثم بعثت، جئتني ولي ثَمّ مال وولد فأعطيك، فأنزل الله:{أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولداً} إلى قوله: {ويأتينا فرداً} [مريم: 77 - 80]

    أخرجه أحمد، والبخاري ومسلم في الصحيحين، وفي لفظ البخاري:

    كنت قينا ب (مكة) فعملت للعاص بن وائل سيفاً، فجئت أتقاضاه. . . فذكر الحديث

    وفي طريق أخرى له عنه قال:

    أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد ببردة(7) وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: ألا تدعو الله؟ فقعد وهو مُحمَر وجهه، فقال:

    «لقد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب؛ ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه، فيشق باثنتين، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليُتمّنَّ الله هذا الأمر؛ حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت ما يخاف إلا الله عز وجل .

    زاد بيان: والذئب على غنمه».

    وفي رواية: «ولكنكم تستعجلون». انتهى كلام ابن كثير.

    قال الألباني: وعن أبي ليلى الكندي قال: جاء خباب إلى عمر فقال: ادن فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار. فجعل خباب يريه آثاراً بظهره مما عذبه المشركون

    أخرجه ابن سعد (3 / 165) وابن ماجه (153) بسند صحيح. انتهى من صحيح السيرة النبوية للألباني بتصرف.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) أي اعتدوا عليهم وظلموهم بأنواع العذاب.

    (2) أي قاموا إليهم وأمسكوا بهم.

    (3) أي حر أرضها من حجارة ورمل من شدة الشمس.

    (4) يفتنونهم أي يعذبونهم حتى يرتدوا عن دينهم، ولا يزال الأمر على هذا إلى قيام الساعة يبتلي الله عباده ويختبرهم بأمثال كفار قريش ليميز الله الخبيث من الطيب، كما يحدث اليوم في العراق وسورية على أيدي الرافضة والنصيرية ومن والاهم.

    ويَصلُب لهم؛ صَلُب أي اشتد وقوي، أي يثبت ويصبر ولا يطاوعهم.

    (5) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، وأحمد في مسنده وفي فضائل الصحابة، وابن ماجه في سننه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك، وغيرهم.

    (6) يعني حداداً، يصنع السيوف وغيرها.

    (7) ثوب جعله تحته كالمخدة.

     

    كتبه أبو الحسن علي الرملي

    3 / 1 /1440 هجري

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم