30- مخالفة قبائل قريش بني هاشم وبني عبد المطلب الجزء الأول


  • من صحيح السيرة النبوية:

    30- الجزء الأول من فصل في ذكر مخالفة قبائل قريش بني هاشم وبني عبد المطلب في نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم

    ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك يدعو قومه ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً، منادياً بأمر الله تعالى، لا يتقي فيه أحداً من الناس.

    فجعلت قريش حين منعه الله منها - وقام عمه وقومه من بني هاشم وبني عبد المطلب دونه، وحالوا بينهم وبين ما أرادوا من البطش به – يهمزونه، ويستهزئون به ويخاصمونه.

    وجعل القرآن ينزل في قريش بأحداثهم، وفيمن نصب لعداوته، منهم من سمى لنا، ومنهم من نزل القرآن في عامة من ذكر الله من الكفار.

    فذكر ابن إسحاق أبا لهب ونزول السورة فيه، والعاص بن وائل ونزول قوله: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولداً} [مريم: 77] فيه، وقد تقدم شيء من ذلك.

    قال ابن إسحاق: وجلس الرسول صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - يوماً مع الوليد بن المغيرة في المسجد، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم، وفي المجلس غير واحد من رجال قريش.

    فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض له النضر، فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه، ثم تلا عليه وعليهم: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون. لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون. لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون} [الأنبياء: 98 - 100]

    ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل عبد الله بن الزِّبَعْرَى السهمي حتى جلس.

    فقال الوليد بن المغيرة له: والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفاً وما قعد، وقد زعم محمد أنَّا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم.

    فقال عبد الله بن الزِّبَعْرَى: أما - والله - لو وجدته لخصمته، فسلوا محمداً: أَكلُّ من يُعبد من دون الله حصب جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة، واليهود تعبد عزيراً، والنصارى تعبد عيسى!

    فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول ابن الزِّبَعْرَى، ورأوا أنه قد احتج وخاصم.

    فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. . . فأنزل الله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون. لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون} [الأنبياء: 101 - 102] أي: عيسى ابن مريم، وعزيراً، ومن عُبد من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله تعالى.

    ونزل - فيما يذكرون أنهم يعبدون الملائكة وأنها بنات الله -: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون}، والآيات بعدها [الأنبياء: 26 - 29]

    ونزل في إعجاب المشركين بقول ابن الزِّبَعْرَى: {ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومكم منه يصدون وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون} [الزخرف: 57 و58]

    وهذا الجدل الذي سلكوه باطل، وهم يعلمون ذلك؛ لأنهم قوم عرب، ومن لغتهم أن (ما) لما لا يعقل، فقوله: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون}: إنما أريد بذلك ما كانوا يعبدونه من الأحجار التي كانت صور أصنام، ولا يتناول ذلك الملائكة الذين زعموا أنهم يعبدونهم في هذه الصور، ولا المسيح، ولا عزيراً، ولا أحداً من الصالحين؛ لأن الآية لا تتناولهم لا لفظاً ولا معنى.

    فهم يعلمون أن ما ضربوه بعيسى ابن مريم من المثل جدل باطل؛ كما قال الله تعالى: {ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون}
    ثم قال: {إن هو} أي: عيسى {إلا عبد أنعمنا عليه} أي: بنبوتنا {وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل} أي: دليلاً على تمام قدرتنا على ما نشاء، حيث خلقناه من أنثى بلا ذكر، وقد خلقنا حواء من ذكر بلا أنثى وخلقنا آدم لا من هذا ولا من هذا وخلقنا سائر بني آدم من ذكر وأنثى، وخلقنا آدم لا من هذا، ولا من هذا، وخلقنا سائر بني آدم من ذكر وأنثى؛ كما قال في الآية الأخرى: {ولنجعله آية للناس} [مريم: 21] أي: أمارة ودليلاً على قدرتنا الباهرة، {ورحمة منا} نرحم بها من نشاء.
    انتهى من صحيح السيرة النبوية للألباني رحمه الله بتصرف.


    كتبه أبو الحسن علي الرملي
    7/ ربيع الأول / 1440 هجري

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم