• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: خطأ عقائدي
  • رقم الفتوى: 1284
  • تاريخ الإضافة: 23 جُمادي الآخرة 1440
  • السؤال
    يروي بعض العامة في هذه الأيام قصة أن عجوزاً تقول: إن شهر شباط جاء ولم يأخذ معه نعجة ولا رباط، وأن شهر شباط يقول لآذار : أعطني ثلاثة منك وأربعة مني، حتى نغرق العجوز...فيضيف إعطاء المطر للأيام والشهور فهل يجوز هذا؟
  • الاجابة

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد؛ فهذا الذي ذكرته بارك الله فيك هو مما اشتهر عند كثير من الناس، حتى إنهم يسمون هذه الأيام بالمستقرضات، وكأن شهر شباط اقترض من شهر آذار.

    فإذا كانوا قد نسبوه للأيام على أنها سبب المطر فهذا شرك أصغر؛ لأنهم جعلوا الأيام والشهور سبباً لنزول المطر، فجلعوا شيئاً سبباً لم يجعله الله سبباً شرعياً ولا حسياً.

     وإن كانت نسبتهم المطر لهذه الأيام نسبة إيجاد، أي أن الأيام والشهور هي التي تخلق المطر، فهذا شرك أكبر؛ لأنهم جعلوا خالقاً مع الله تبارك وتعالى.

     أما إن كانت نسبتهم المطر لهذه الأيام هي نسبة وقت فقط، أي أن هذا المطر يكون وقته في هذه الأيام فلا بأس به.

     كما في الحديث الصحيح المتفق عليه عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف؛ أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟"

    قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر؛ فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا؛ فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب"، متفق عليه، البخاري (846)، ومسلم (71).

    قول الصحابي: (على إثر سماء) أي مطر.

    وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بنوء كذا وكذا)، أي بالنجم كذا والنجم كذا، قال ابن عثيمين في شرح كتاب التوحيد(1/ 568): والأنواء: هي منازل القمر، وهي ثمان وعشرون منزلة، كل منزلة لها نجم تدور بمدار السنة. وهذه النجوم بعضها يسمى النجوم الشمالية، وهي لأيام الصيف، وبعضها يسمى النجوم الجنوبية، وهي لأيام الشتاء، وأجرى الله العادة أن المطر في وسط الجزيرة العربية يكون أيام الشتاء، أما أيام الصيف فلا مطر.
    فالعرب كانوا يتشاءمون بالأنواء، ويتفاءلون بها، فبعض النجوم يقولون: هذا نجم نحس لا خير فيه، وبعضها بالعكس يتفاءلون به، فيقولون: هذا نجم سعود وخير، ولهذا إذا أمطروا قالوا: مطرنا بنوء كذا، ولا يقولون: مطرنا بفضل الله ورحمته، ولا شك أن هذا غاية الجهل...انتهى

    قال الإمام الشافعي رحمه الله في الأم (1 /288):
     وأرى معنى قوله، والله أعلم: أن من قال مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك إيمان بالله؛ لأنه يعلم أنه لا يُمطِر ولا يعطي إلا الله عز وجل، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا، على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه أمطره نوء كذا؛ فذلك كفر كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن النوء وقت، والوقت مخلوق لا يملك لنفسه، ولا لغيره شيئاً، ولا يمطر، ولا يصنع شيئاً.
    فأما من قال: مطرنا بنوء كذا، على معنى مطرنا بوقت كذا؛ فإنما ذلك كقوله مطرنا في شهر كذا، ولا يكون هذا كفراً، وغيره من الكلام أحب إلي منه.
     قال الشافعي: أحب أن يقول مطرنا في وقت كذا. انتهى

    وقال ابن عبد البر في التمهيد (16 /286): وأما قوله حاكياً عن الله عز وجل (أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر) فمعناه عندي على وجهين:

    أما أحدهما: فإن المعتقد أن النوء هو الموجب لنزول الماء، وهو المنشئ للسحاب دون الله عز وجل؛ فذلك كافر كفراً صريحاً يجب استتابته عليه وقتله؛ لنبذه الإسلام ورده القرآن.
    والوجه الآخر: أن يعتقد أن النوء ينزل الله به الماء، وأنه سبب الماء على ما قدره الله وسبق في علمه، فهذا وإن كان وجهاً مباحاً، فإن فيه أيضا كفراً بنعمة الله عز وجل، وجهلاً بلطيف حكمته؛ لأنه ينزل الماء متى شاء مرة بنوء كذا، ومرة دون النوء، وكثيراً ما يخوى النوء فلا ينزل معه شيء من الماء، وذلك من الله لا من النوء، وكذلك كان أبو هريرة يقول إذا أصبح وقد مطر: مطرنا بنوء الفتح، ثم يتلو {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها} وهذا عندي نحو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مطرنا بفضل الله وبرحمته".

     ومن هذا قول عمر بن الخطاب للعباس بن عبد المطلب حين استسقى به: يا عم رسول الله، كم بقي من نوء الثريا؟ فقال العباس: العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعاً، فكأن عمر رحمه الله قد علم أن نوء الثريا وقت يرجى فيه المطر ويؤمل، فسأله عنه أخرج أم بقيت منه بقية؟
    وروي عن الحسن البصري أنه سمع رجلاً يقول: طلع سهيل، وبرد الليل. فكره ذلك، وقال: إن سهيلاً لم يأت قط بحر ولا برد.
     وكره مالك بن أنس أن يقول الرجل للغيم والسحابة: ما أخلقها للمطر، وهذا من قول مالك مع روايته: إذا أنشأت (بحرية)؛ تدل على أن القوم احتاطوا فمنعوا الناس من الكلام بما فيه أدنى متعلق من زمن الجاهلية، في قولهم مطرنا بنوء كذا وكذا على ما فسرناه. والله أعلم

    قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى: وصار كافراً بالله؛ لأنه أنكر نعمة الله ونسبها إلى سبب لم يجعله الله سبباً؛ فتعلقت نفسه بهذا السبب، ونسي نعمة الله، وهذا الكفر لا يخرج من الملة؛ لأن المراد نسبة المطر إلى النوء على أنه سبب وليس على أنه فاعل. انتهى من كتاب القول المفيد شرح كتاب التوحيد (ص390)، باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء.

    وقال رحمه الله (ص390) في نفس الباب:

    فنسبة المطر إلى النوء - أي النجم - تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

    ١- نسبة إيجاد، فهذه شرك أكبر.

    ٢- نسبة سبب، وهذه شرك أصغر.

    ٣- نسبة وقت، وهذه جائزة بأن يريد بقوله: مطرنا بنوء كذا، أي: جاءنا المطر في هذا النوء، أي في وقته. انتهى.

    ومع ذلك فإننا ننصح الناس أن يراقبوا ألفاظهم، ويعرضوها على الشرع؛ فهناك الكثير من الألفاظ التي قد تتحول إلى اعتقادات شركية مع مرور الزمان. والله تعالى أعلم.

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم