• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: سؤال عن صفات الله عز وجل
  • رقم الفتوى: 1348
  • تاريخ الإضافة: 2 رجب 1440
  • السؤال
    هل ابن قدامة يقرر عقيدة المفوضة في قوله: "وكل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن وجب الإيمان به، وتلقيه بالتسليم والقبول، وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل. ((وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظاً، وترك التعرض لمعناه ونرد علمه إلى قائله، ونجعل عهدته على ناقله))..." ؟نرجو الإيضاح وجزاكم الله خيراً.
  • الاجابة

    الذي يظهر من كلام ابن قدامة أنه لا يقرر عقيدة المفوضة؛ لأنه أثبت الصفات صراحة في عقيدته التي ذكرها في لمعة الاعتقاد بعد هذا الكلام، 
    فالظاهر أنه قسم الصفات إلى قسمين:

    قسم واضح في معناه؛ لا خفاء فيه وهو الذي ذكره في بداية الجملة المذكورة؛  كـ (الرحمن على العرش استوى)؛ كلام واضح وصريح، نثبت به صفة الرحمة لله تبارك وتعالى ، ونثبت صفة العلو والارتفاع على العرش؛ هذه الصفات يجب الإيمان بها وتلقيها بالتسليم والقبول، ولا يجوزالتعرُّض لها بالردِّ، أو التمثيل أو التأويل أو التكييف، فنحن نعلم معناها بدلالة اللغة التي نزل بها القرآن وبتفسير السلف الصالح لها، ولا نعلم كيفيتها؛ لأن الله تبارك وتعالى لم يخبرنا بها؛ فنؤمن بما أخبرنا به، ونسكت عما سكت عنه.

    والقسم الثاني: وهو الذي بدأه بقوله: (ما أشكل من ذلك..)؛ يشكل على بعض الناس دون بعض، بعض الصفات تمرُّ بالشخص، فيقفُ حائراً أمامها؛ هل تُثبَتُ هذه أم لا تُثبَت؟ أو ما هو معناها؟ يختلط عليه الأمر؛ فلا يتمكن من فهم معناها، ففي هذه الحالة يردُّ علمها إلى الله تبارك وتعالى، لا يتكلم فيها ولا يخوض فيها بغير علم؛ يردُّ علمها إلى الله تبارك وتعالى.

    (ونردُّ علمه إلى قائله ونجعل عهدته على ناقله)؛ فنؤمن باللفظ؛ لأنه ثابت بالدليل الشرعي من الكتاب والسنة، لكن المعنى الذي يشكل علينا، هو الذي نردُّه إلى الله تبارك وتعالى، ونترك التعرُّض لمعناه ونردُّ علمه إلى قائله؛ فنقول : الله أعلم به ، ونجعل عهدته على قائله؛ أي نحمل مسؤوليته الثقات الذين نقلوه لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم. هذا ما أراده.
    وكما ذكرنا هذا ربما يقع لبعض الناس في بعض الصفات، وأما لعموم الأمة فلا، لا يوجد شيء كهذا، النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يعلمون معنى ما جاء في الشرع من صفات ويثبتونه، وكذلك من جاء من بعدهم من علماء السنة، ربما تخفى بعض الصفات على بعض الأشخاص لقصور علمه فقط. والله أعلم 

    قال ابن عثيمين رحمه الله في تعليقه على لمعة الاعتقاد (ص32) عند شرحه لكلام ابن قدامة هذا: تقسيم نصوص الصفات وطريقة الناس فيها:
    تنقسم نصوص الكتاب والسنة الواردة في الصفات إلى قسمين: واضح جلي ومشكل خفي؛ فالواضح ما اتضح لفظه ومعناه فيجب الإيمان به لفظاً وإثبات معناه حقًّا بلا رد ولا تأويل، ولا تشبيه، ولا تمثيل؛ لأن الشرع ورد به فوجب الإيمان به وتلقيه بالقبول والتسليم.

    وأما المشكل فهو ما لم يتضح معناه لإجمال في دلالته أو قصر في فهم قارئه؛ فيجب إثبات لفظه؛ لورود الشرع به، والتوقف في معناه، وترك التعرض له؛ لأنه مشكل لا يمكن الحكم عليه فنرد علمه إلى الله ورسوله.
    وقد انقسمت طرق الناس في هذا المشكل إلى طريقين:
    الطريقة الأولى: طريقة الراسخين في العلم الذين آمنوا بالمحكم والمتشابه وقالوا {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] وتركوا التعرض لما لا يمكنهم الوصول إلى معرفته والإحاطة به تعظيمًا لله ورسوله وتأدبًا مع النصوص الشرعية وهم الذين أثنى الله عليهم بقوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] .
    الطريقة الثانية: طريقة الزائغين الذين اتبعوا المتشابه طلبا للفتنة وصدًّا للناس عن دينهم وعن طريقة السلف الصالح فحاولوا تأويل هذا المتشابه إلى ما يريدون لا إلى ما يريه الله ورسوله، وضربوا نصوص الكتاب والسنة بعضها ببعض وحاولوا الطعن في دلالتها بالمعارضة والنقص ليشككوا المسلمين في دلالتها ويعموهم عن هدايتها وهؤلاء هم الذين ذمهم الله بقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} [آل عمران: 7].
    تحرير القول في النصوص من حيث الوضوح والإشكال:
    إن الوضوح والإشكال في النصوص الشرعية أمر نسبي، يختلف به الناس بحسب العلم والفهم، فقد يكون مشكلاً عند شخص ما هو واضح عند شخص آخر.

     والواجب عند الإشكال اتباع ما سبق من ترك التعرض له والتخبط في معناه.

     أما من حيث واقع النصوص الشرعية، فليس فيها بحمد الله ما هو مشكل لا يعرف أحد من الناس معناه فيما يهمهم من أمر دينهم ودنياهم؛ لأن الله وصف القرآن بأنه نور مبين وبيان للناس وفرقان، وأنه أنزله تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة، وهذا يقتضي أن لا يكون في النصوص ما هو مشكل بحسب الواقع بحيث لا يمكن أحد من الأمة معرفة معناه. انتهى . والله أعلم 


      

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم