• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: القدر ومراتبه
  • رقم الفتوى: 1441
  • تاريخ الإضافة: 10 رجب 1440
  • السؤال
    ما هو القدر ؟ وما هي مراتبه؟
  • الاجابة

    القدرأصل من أصول الإيمان الستة، التي يجب على كل مسلم معرفتها والإيمان بها، ولا يتم إيمان العبد إلا بالإيمان بالقدر، وهو: تقدير الله تبارك وتعالى للأشياء في القِدَمِ، وعلمه تبارك وتعالى أنها ستقع في أوقات معلومة عنده وعلى صفات مخصوصة، وكتابته لذلك، ومشيئته لها ووقوعها على حَسب ما قدرها، وخلقه لها؛ هذا هو القدر؛ فهو أربع مراتب من آمن بها آمن بالقدر:

    الأولى : الإيمان بأن الله عالم بكل شيء جملة وتفصيلاً؛ بعلم سابق؛ وهذه المرتبة هي : (العلم)

    الثانية : أن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء قبل أن يخلقه؛ وهي: ( الكتابة)

    الثالثة : لا يكون شيء في السماوات والأرض إلا بإرادته ومشيئته الدائرة بين الرحمة والحكمة؛ وهي: ( المشيئة)

    الرابعة: كل شيء في السموات والأرض مخلوق لله تبارك وتعالى، لا خالق غيره؛ وهذه المرتبة هي (الخلق).

    وهي مذكورة مجموعة ومفرقة في كتب الأئمة الذين نقلوا أقوال الصحابة ومن اتبعهم بإحسان في العقيدة، انظرها في السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 384)، والسنة للخلال (3/ 529)، والشريعة للآجري(2/ 702)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (3/ 589)
    ولكن نذكر لك قول ابن باز رحمه الله لأنه أسهل في العبارة. والله أعلم 

    قال ابن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى (6/ 58) : وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الإيمان بالقدر يجمع أربعة أمور:
    الأمر الأول: الإيمان بأن الله سبحانه علم الأشياء كلها قبل وجودها بعلمه الأزلي وعلم مقاديرها وأزمانها وآجال العباد وأرزاقهم وغير ذلك، كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، وقال تعالى: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}، وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
    الثاني: من مراتب الإيمان بالقدر: كتابته سبحانه لجميع الأشياء من خير وشر، وطاعة ومعصية، وآجال وأرزاق، وغير ذلك، كما قال سبحانه: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} في آيات كثيرة سبق بعضها آنفا. وفي الصحيحين من حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار "، فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة»، ثم قرأ رسول الله عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}، {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الآيتين، وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة، ومنها حديث عبد الله بن مسعود المخرج في الصحيحين في ذكر خلق الجنين وأنه يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.
    الأمر الثالث: من مراتب الإيمان بالقدر: أنه سبحانه وتعالى لا يوجد في ملكه ما لا يريد ولا يقع شيء في السماء والأرض إلا بمشيئته. كما قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ}، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، وقال تعالى: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ}، {وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ}، وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}، وقال تعالى: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وقال عز وجل: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}، والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا، معلومة من كتاب الله، والإرادة في هذه الآية بمعنى المشيئة، وهي إرادة كونية قدرية، بخلاف الإرادة في قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}، {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}، فالإرادة في هذه الآيات الثلاث إرادة شرعية أو دينية، بمعنى المحبة، والفرق بين الإرادتين: الأولى: لا يتخلف مرادها أبدا بل ما أراده الله كونا فلا بد من وقوعه كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.
    أما الإرادة الشرعية فقد يوجد مرادها من بعض الناس وقد يتخلف. وإيضاح ذلك أن الله سبحانه أخبر أنه يريد البيان للناس والهداية والتوبة، ومع ذلك أكثر الخلق لم يهتد ولم يوفق للتوبة ولم يتبصر في الحق؛ لأنه سبحانه وتعالى قد أوضح الحجة والدليل، وبين السبيل وشرع أسباب التوبة وبينها، ولكنه لم يشأ لبعض الناس أن يهتدي أو يتوب أو يتبصر، فذلك لم يقع منه ما أراده الله شرعا؛ لما قد سبق في علم الله وإرادته الكونية من أن هذا الشخص المعين لا يكون من المهتدين ولا ممن يوفق للتوبة.
    وهذا بحث عظيم ينبغي تفهمه وتعقله والتبصر في أدلته ليسلم المؤمن من إشكالات كثيرة وشبهات مضلة حار فيها الكثير من الناس لعدم تحقيقهم للفرق بين الإرادتين، ومما يزيد المقام بيانا أن الإرادتين تجتمعان في حق المؤمن فهو إنما آمن بمشيئة الله وإرادته الكونية وهو في نفس الوقت قد وافق بإيمانه وعمله الإرادة الشرعية وفعل ما أراده الله منه شرعا وأحبه منه، وتنفرد الإرادة الكونية في حق الكافر والعاصي فهو إنما كفر وعصى بمشيئة الله وإرادته الكونية وقد تخلفت عنه الإرادة الشرعية لكونه لم يأت بمرادها وهو الإسلام والطاعة فتنبه وتأمل والله الموفق.
    الأمر الرابع من مراتب الإيمان بالقدر: أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق الموجد لجميع الأشياء من ذوات وصفات وأفعال، فالجميع خلق الله سبحانه، وكل ذلك واقع بمشيئته وقدرته، فالعباد وأرزاقهم وطاعاتهم ومعاصيهم كلها خلق الله وأفعالهم، تنسب إليهم فيستحقون الثواب على طيبها والعقاب على خبيثها، والعبد فاعل حقيقة، وله مشيئة، وله قدرة قد أعطاه الله إياها، والله سبحانه هو خالقه وخالق أفعاله وقدرته ومشيئته، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وقال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ}، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}، فلا يخرج شيء من أفعال العباد ولا غيرهم عن قدرة الله ولا عن مشيئته، فعلم الله شامل، ومشيئته نافذة، وقدرته كاملة، لا يعجزه سبحانه شيء، ولا يفوته أحد كما قال عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}، والعرش وما دونه من سماوات وأرضين وملائكة وبحار وأنهار وحيوان، وغير ذلك من الموجودات كلها وجدت بمشيئة الله وقدرته، لا خالق غيره، ولا رب سواه، ولا شريك له في ذلك كله، كما أنه لا شريك له في عبادته ولا في أسمائه وصفاته، كما قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}، وقال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}، وقال سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، {اللَّهُ الصَّمَدُ}، {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، وقال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، فالله سبحانه هو الخالق وما سواه مخلوق، وصفاته كذاته ليست مخلوقة، وكلامه من صفاته والقرآن الكريم من كلامه المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو كلام الله عز وجل منزل غير مخلوق بإجماع أهل السنة، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سلك سبيلهم إلى يوم القيامة.
    وبما ذكرنا يتضح لطالب الحق أن مراتب القدر أربع من آمن بها وأحصاها فقد آمن بالقدر خيره وشره.
    وقد ذكر العلماء هذه المراتب في كتب العقائد، وأوضحوها بأدلتها، وممن ذكر ذلك باختصار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه: (العقيدة الواسطية) وذكرها وأوسع فيها الكلام تلميذه المحقق العلامة الكبير أبو عبد الله ابن القيم في كتابه: (شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل) وهو كتاب نفيس عظيم الفائدة نادر المثل أو معدومه ننصح بقراءته والاستفادة منه.
    والله أسأل سبحانه أن يوفقنا جميعا للفقه في دينه والاستقامة عليه، وأن يهدينا وسائر المسلمين صراطه المستقيم. إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. انتهى 

     

     

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم