• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: النهي عن مجالسة أهل البدع والأهواء والضلالات
  • رقم الفتوى: 1497
  • تاريخ الإضافة: 17 رجب 1440
  • السؤال
    البعض؛ إذا قيل لهم: فلان مبتدع فلا تدرسوا عنده؛ يجيب بقوله: أنا أذهب وأسمع؛ فما وجدته حقاً آخذه، وما وجدته باطلاً تركته؛ فهل قولهم هذا صحيح؟
  • الاجابة

    هذا كلام باطل فاسد؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه؛ مما يُبعث به من الشبهات" أو " لما يبعث به من الشبهات" أخرجه أبو داود (4319) وغيره.

     هذا الحديث يدل على وجوب مجانبة من معه فتنة في الدين؛ ومن هؤلاء أهل البدع والضلال، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يتبعون المتشابه من القرآن، وحذر منهم ومن الاغترار بهم، كما في حديث الخوارج، ودعاة على أبواب جهنم.

     الشخص يظن من نفسه أنه آمن؛ كما نسمع كثيراً من الشباب اليوم ما جاء في السؤال: أنا أذهب وأسمع فما وجدته حقاً أخذته وما وجدته باطلاً تركته؛ هذا مسكين؛ لأنه لا يخلو حاله من أحد أمرين: إما أن يكون لا يعرف معنى الشبهة وما تفعله بالقلب، أو أنه جاهل بالعلم أصلاً، فمن جهله يظن أن عنده من العلم ما يتمكن معه من رد الشبهات، فأنت إذا كنت ممن له قدرة على رد الشبهات والضلالات؛ لماذا تذهب وتتعلم عند فلان وفلان؟ فمثلك عندئذ ينبغي أن يكون معلماً، فإن لم تكن كذلك؛ فليس عندك القدرة على رد الشبهات التي تعرض عليك؛ فمعلمك هو الذي يعطيك؛ فكيف ستعرف خطأه من صوابه.

     حتى لو كنت صاحب علم ومعرفة بالشبهات وردها، هل تأمن على نفسك من دخولها قلبك؟! 
    لم يأمن أئمة العلم والتقوى هذا على أنفسهم فكيف أنت؟!

    إذن هذا الكلام كلام شخص لا يعرف ما يقول، ودينه رخيص عنده.

    وقد كان العلماء الراسخون يفرون من أهل البدع؛ خشية وقوع شبهاتهم في قلوبهم؛ فالقلوب ضعيفة والشبه خطّافة.

    قال أبو قلابة: "لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم؛ فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم" فيُضيِّعون عليكم دينكم.

    وكان السلف هم أئمة الإسلام في وقتهم؛ لا يجالسون أهل البدع، ولا يسمحون لهم أن يجالسوهم، ألم يكن الواحد منهم قادراً على معرفة الحق من الباطل؟

    كان قادراً، ولكن ما أدراه أن تلقى الشبهة في قلبه فتعلق؛ كما قال محمد بن سيرين.

    فإذن من خشي على دينه، وأراد أن يبقى في مأمن؛ فليبتعد عن أهل البدع والضلال.
    وهذا الكلام، والقول بأن السلف كانوا فقط يهجرون أهل البدع للتأديب؛ من أعظم الأسباب التي جعلت الشباب اليوم يحملون عقائد أهل البدع، ويتخبطون في دينهم، يذهب الطالب ويجالس المبتدع وما تراه  بعد مدة إلا ويتكلم ببدع شيخه المبتدع. والله المستعان 
    والآثار عن السلف، وذكرهم لسبب هجرهم لأهل البدع؛ تدل بوضوح على أنهم كانوا يهجرون أهل البدع للخوف من شبهاتهم ولتأديبهم، فهما سببان لا سبب واحد، فإذا انتفت مصلحة التأديب في بعض الوقت، فمصلحة حفظ الدين من الشبهات باقية دائماً، لذلك بقي السلف على هذا القول ولم يأذنوا بمجالسة أهل البدع مطلقاً. والله أعلم 

    جاء عن سعيد بن عامرأنه قال: سمعت إسماعيل يحدث قال: " دخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء فقالا: يا أبا بكر نحدثك بحديث؟ قال: «لا» . قالا: «فنقرأ عليك آية من كتاب الله» ؟ قال: «لا» . قال: «تقومان عني، وإلا قمت» . فقام الرجلان فخرجا، فقال بعض القوم: " ما كان عليك أن يقرأ آية؟ قال: إني كرهت أن يقرأ آية فيحرفاها فيقر ذلك في قلبي ".

    وعن أيوب السختياني، قال: قال لي أبو قلابة: " يا أيوب احفظ عني أربعاً: لا تقولن في القرآن برأيك، وإياك والقدر، وإذا ذكر أصحاب محمد فأمسك، ولا تمكن أصحاب الأهواء من سمعك ". 

    وعن معمر قال: " كان ابن طاوس جالساً، فجاء رجل من المعتزلة، قال: «فجعل يتكلم»، قال: فأدخل ابن طاوس أصبعيه في أذنيه. قال: وقال لابنه: أي بني، أدخل أصبعيك في أذنيك واشدد لا تسمع من كلامه شيئاً ". قال معمر: «يعني أن القلب ضعيف».

    راجع هذه الآثار وغيرها في هجر أهل البدع للحذر من شبهاتهم: الشريعة للآجري (5/ 2540)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/ 149).

    قال الآجري في الشريعة مبيناً عقيدة السلف في مجالسة أهل البدع (5/ 2540): باب ذكر هجرة أهل البدع والأهواء، قال محمد بن الحسين رحمه الله: ينبغي لكل من تمسك بما رسمناه في كتابنا هذا وهو كتاب الشريعة أن يهجر جميع أهل الأهواء من الخوارج والقدرية والمرجئة والجهمية، وكل من ينسب إلى المعتزلة، وجميع الروافض ، وجميع النواصب، وكل من نسبه أئمة المسلمين أنه مبتدع بدعة ضلالة، وصح عنه ذلك، فلا ينبغي أن يكلم ولا يسلم عليه، ولا يجالس ولا يصلى خلفه، ولا يزوج ولا يتزوج إليه من عرفه، ولا يشاركه ولا يعامله ولا يناظره ولا يجادله، بل يذله بالهوان له، وإذا لقيته في طريق أخذت في غيرها إن أمكنك. فإن قال: فلم لا أناظره وأجادله وأرد عليه قوله؟ . قيل له: لا يؤمن عليك أن تناظره وتسمع منه كلاماً يفسد عليك قلبك ويخدعك بباطله الذي زين له الشيطان فتهلك أنت؛ إلا أن يضطرك الأمر إلى مناظرته وإثبات الحجة عليه بحضرة سلطان أو ما أشبهه لإثبات الحجة عليه، فأما لغير ذلك فلا، وهذا الذي ذكرته لك فقول من تقدم من أئمة المسلمين، وموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم..انتهى

    وقال أبو عثمان الصابوني في شرح عقيدة السلف(ص 449 و455): "ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرت، وجرت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام:68]".
    وقال (ص520): "وهذه الجمل التي أثبتها في هذا الجزء كانت معتقد جميعهم، لم يخالف فيها بعضهم بعضاً، بل أجمعوا عليها كلها، واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم". انتهى

    وقال البغوي في شرح السنة (1/ 227): وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم، وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة، ومهاجرتهم. انتهى 

     

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم