• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: النصارى واليهود كفار
  • رقم الفتوى: 1595
  • تاريخ الإضافة: 27 رجب 1440
  • السؤال
    يدّعي البعض أن اليهود والنصارى مؤمنون، وبيننا وبينهم أخوة الإيمان؛ فهل من توجيه لهم؟
  • الاجابة

    هذا كلام باطل مردود على صاحبه، ترده نصوص الكتاب والسنة والإجماع.

    منها: قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، وقوله عز وجل: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }، وقوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ}، وقوله: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ}، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}، وقوله: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}، وقوله: { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

    ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".أخرجه مسلم (153).

    وفي صحيح البخاري (3173)، ومسلم (1669): قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فتبريكم يهود بخمسين»، فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار؟ فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده. 

    قال ابن حزم في الإجماع (ص 119): واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفاراً. انتهى 

    ففي هذه الأدلة وغيرها ردٌّ على مدَّعي هذه الدعوة الباطلة؛ فإن الإيمان الذي عند اليهود والنصارى لا ينفعهم؛ لأن الإيمان الذي ينفع؛ هو الإيمان الشرعي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه سلم؛ وهو الإيمان بالله والإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، والإيمان بما جاء به من شريعة، فمن لم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبشريعته؛ فلن ينفعه إيمان.

    فالدين عند الله سبحانه وتعالى هو الإسلام؛ الذي فيه أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فمن لم يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه أرسل للناس كافة؛ فليس بمؤمن وإيمانه غير معتبر، ولا يصحُّ أن نقول بأنه مؤمن، وأنه أخونا في الإيمان.

    فالإيمان المعتبر الذي تكون به الأخوة ويعقد عليه الولاء والبراء؛ هو الإيمان الشرعي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

    وأما القول بأن اليهود والنصارى وغيرهم من الكفرة هم مؤمنون لأنهم يؤمنون بوجود الله تبارك وتعالى؛ فهذا قول باطل وفاسد ومردود على صاحبه، وإلا كان كفار قريش كأبي جهل وأبي لهب أيضاً مؤمنين؛ فقد قال الله فيهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}، فهم يؤمنون بوجود الله تبارك وتعالى، وأنه الخالق الرازق؛ ولكنه إيمان لا ينفع.

     الإيمان الذي ينفع، هو: أن تؤمن بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم كله، وأنه صادق، وأنه مرسل من عند الله، وأن القرآن كلام الله ومنزل من عنده على محمد صلى الله عليه وسلم، وأن شريعته حق، وأنها ناسخة لكل الشرائع من قبله، وأن الله لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.

    من أنكر شيئاً من هذا لم يكن مؤمناً، بل كافر، وإذا مات على ذلك فهو مخلد في نار جهنم. والله أعلم 

    قال الطبري في تفسيره (6/ 575) القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ}
    قال أبو جعفر: يعني بذلك: يا معشر يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر من ينتحل الدِّيانة بما أنزلَ الله عز وجل من كتبه، ممن كفَر بمحمد صلى الله عليه وسلم وجحد نبوَّته: "لم تكفرون بآيات الله"، يقول: لم تجحدونُ حجج الله التي آتاها محمدًا في كتبكم وغيرها، التي قد ثبتت عليكم بصدقه ونبوَّته وحُجته، وأنتم تعلمون، يقول: لم تجحدون ذلك من أمره، وأنتم تعلمون صدقه؟ فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم متعمِّدون الكفر بالله وبرسوله على علم منهم، ومعرفةٍ من كفرهم. انتهى

    وقال (8/ 572): القول في تأويل قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً فلا تأس على القوم الكافرين} [المائدة: 68]

    وهذا أمر من الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم بإبلاغ اليهود والنصارى الذين كانوا بين ظهراني مهاجره، يقول تعالى ذكره له: قل يا محمد لهؤلاء اليهود والنصارى: {يا أهل الكتاب} [آل عمران: 64] التوراة والإنجيل، لستم على شيء مما تدعون أنكم عليه مما جاءكم به موسى صلى الله عليه وسلم معشر اليهود، ولا مما جاءكم به عيسى معشر النصارى، حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم مما جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم من الفرقان ، فتعملوا بذلك كله وتؤمنوا بما فيه من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه، وتقروا بأن كل ذلك من عند الله، فلا تكذبوا بشيء منه ولا تفرقوا بين رسل الله فتؤمنوا ببعض وتكفروا ببعض، فإن الكفر بواحد من ذلك كفر بجميعه ؛ لأن كتب الله يصدق بعضها بعضاً، فمن كذب ببعضها فقد كذب بجميعها. انتهى

    ومثل هذا كثير مجمع عليه.

    قال ابن قدامة المقدسي في المغني (9/ 212): وجملته أن الكفار ثلاثة أقسام:

     قسم أهل كتاب، وهم اليهود والنصارى، ومن اتخذ التوراة والإنجيل كتاباً، كالسامرة والفرنج ونحوهم، فهؤلاء تقبل منهم الجزية، ويقرون على دينهم إذا بذلوها؛ لقول الله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} [التوبة: 29]

    وقسم لهم شبهة كتاب، وهم المجوس فحكمهم حكم أهل الكتاب، في قبول الجزية منهم، وإقرارهم بها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» . ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في هذين القسمين.

     وقسم لا كتاب لهم، ولا شبهة كتاب، وهم من عدا هذين القسمين، من عبدة الأوثان، ومن عبد ما استحسن، وسائر الكفار، فلا تقبل منهم الجزية، ولا يقبل منهم سوى الإسلام. هذا ظاهر المذهب، وهو مذهب الشافعي.

    وروي عن أحمد أن الجزية تقبل من جميع الكفار، إلا عبدة الأوثان من العرب. وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأنهم يقرون على دينهم بالاسترقاق، فيقرون ببذل الجزية، كالمجوس. وحكي عن مالك، أنها تقبل من جميع الكفار، إلا كفار قريش؛ لحديث بريدة الذي في المسألة قبل هذه، وهو عام، ولأنهم كفار، فأشبهوا المجوس. ولنا، عموم قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5] ....انتهى 

    وقال ابن عثيمين: قال: «أو سخر بوعد الله، أو بوعيده، أو لم يكفِّر من دان بغير الإسلام، كالنصارى، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم».
    هذه مسألة خطيرة، إذا لم يكفِّر من دان بغير الإسلام فهو كافر، فهناك أناس جهال سفهاء، يقولون: إنه لا يجوز أن نكفر اليهود والنصارى، فكيف لا تكفرهم، وهم الذين يصفون ربك بكل عيب؟!
    وكيف لا تكفر من قال: إن ربك ثالث ثلاثة؟!
    ولماذا لا تكفر من يقول: إن ربك له أبناء؟!
    ولماذا لا تكفر من يقول: إن يدي ربك مغلولة؟!
    ولماذا لا تكفر من يقول: إن الله فقير؟!

    إذا قالوا هذا، قلنا: أنتم كفار، ولا شك في كفر من شك في كفركم، ولا أحد يشك في أن اليهود والنصارى والمجوس والوثنيين كلهم كفار، ولو قالوا: آمنا بالله، نقول: كذبتم، أنتم كافرون بالله العظيم وبرسله، والواجب علينا أن نصيح بهم صيحة، تملأ آذانهم بأنهم كفار، وأن نتبرأ منهم براءة الذئب من دم يوسف، أما أن نداهنهم، ونصانعهم، ونقول لهم: أنتم إخواننا في الدين، أنتم على دين سماوي، ونحن على دين سماوي، وما الخلاف بيننا وبينكم إلا كالخلاف بين الإمام أحمد والشافعي ـ نسأل الله العافية ـ فهذا عين الكفر، وقد حُدِّثتُ أن بعض القائمين على اتحادات في بلاد الغرب يقولون مثل هذا القول، وأنا أشهدكم أننا منهم بريئون ما داموا يقولون بهذا القول، بل إن دين الإسلام منهم بريء، وأنهم يجب عليهم أن يتوبوا إلى الله ـ عزّ وجل ـ ويرجعوا إلى دينهم، ويقولوا قولاً يفخرون به، وهو: أننا نكفر كل من كفره الله عزّ وجل، والأمر ليس إلينا ولا إليهم، الأمر إلى الله، فمن كفَّره الله فهو كافر، ومن لم يكفره الله فليس بكافر، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يقول: إن الذي لا يكفِّر من دان بغير الإسلام فهو كافر، وصدق رحمه الله؛ لأنه إذا لم يكفره فإن قوله يستلزم أن يقبل الله دينه، وهذا يستلزم تكذيب قول الله ـ عزّ وجل ـ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ *} [آل عمران]، وقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران: 19] فقط، لا غير.
    قال: «أو قال قولاً يتوصل به إلى تضليل الأمة، أو تكفير الصحابة فهو كافر»، و «قال الشيخ (شيخ الإسلام): من اعتقد أن الكنائس بيوت الله، وأن الله يُعبد فيها، وأن ما يفعل اليهود والنصارى عبادة لله، وطاعة له، ولرسوله، أو أنه يحب ذلك ويرضاه، أو أعانهم على فتحها، وإقامة دينهم، وأن ذلك قربة، أو طاعة فهو كافر» وكثير من الناس مبتلى بهذا اليوم، يعتقدون أن الكنائس بيوت الله، وأنها محل عبادته وطاعته، وأن هؤلاء الذين يزعمون أنهم يتقربون إلى الله بها هم متقربون إليه، وهذا كفر.
    فالمسألة خطيرة؛ لأن دين الإسلام واحد، فالدين الذي ارتضاه الله لعباده هو الدين الذي جاء به محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فما عدا ذلك فليس بدين، وإن اتخذه أصحابه ديناً، لكنه دين يعبد به الشيطان، أما الرحمن فكلا والله.
    وقال في موضع آخر: «من اعتقد أن زيارة أهل الذمة كنائسَهم قربة إلى الله فهو مرتد، وإن جهل أن ذلك محرم عُرّف ذلك، فإن أصر صار مرتداً، وقال: قول القائل: «ما ثَمَّ إلا الله» إن أراد ما يقوله أهل الاتحاد، من أن ما ثَمَّ موجود إلا الله، ويقولون: إن وجود الخالق هو وجود المخلوق، والخالق هو المخلوق، والمخلوق هو الخالق، والعبد هو الرب، والرب هو العبد، ونحو ذلك من المعاني، وكذلك الذين يقولون: إن الله تعالى بذاته في كل مكان، ويجعلونه مختلطاً بالمخلوقات، يستتاب، فإن تاب وإلا قتل».
    وقال: «من اعتقد أن لأحد طريقاً إلى الله من غير متابعة محمد صلّى الله عليه وسلّم، أو لا يجب عليه اتباعه، وأن له، أو لغيره خروجاً عن اتباعه، وأَخْذِ ما بُعث به، أو قال: أنا محتاج إلى محمد في علم الظاهر، دون علم الباطن، أو في علم الشريعة دون علم الحقيقة، أو قال: إن من الأولياء من يسعه الخروج من شريعته، كما وسع الخَضِرَ الخروجُ عن شريعة موسى، أو إن هُدى غير النبي صلّى الله عليه وسلّم أكمل من هديه فهو كافر» كل هذا قد قيل به، وشيخ الإسلام يرى أنه كافر، فمن زعم ذلك كان كافراً مرتداً، بل إن من زعم أن هناك هدياً مساوياً لهدي النبي صلّى الله عليه وسلّم فهو كافر. انتهى من الشرح الممتع (14/ 432).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم