• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: الجدال المأمور به والمنهي عنه
  • رقم الفتوى: 1750
  • تاريخ الإضافة: 18 شعبان 1440
  • السؤال
    ما هو الجدال؟ وما المأمور به؟ وما المنهي عنه ؟
  • الاجابة

    الجدال هو: المنازعة مع الخصم للتغلب عليه أو لإظهار الحق.

    وهو قسمان:

    القسم الأول: وهو ما يكون الغرض منه إثبات الحق وإظهاره، وإبطال الباطل لمن يريد الحق ويطلبه، ومن غير أن تُعرض دينك للخطر، هذا مأمور به أمراً واجباً أو مستحباً؛ على حسب الحال؛ لقول الله تبارك وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[النحل: 125- 127].

    لكن هذا الجدال لا يقوم به شخص فارغ أو عنده شيء من الثقافة، إنما هذا الجدال يكون من شخص مليء، عنده علم؛ يعرف كيف يرد الشبهات في المسألة التي يريد أن يجادل فيها.

    القسم الثاني: أن يكون القصد منه الغلبة والانتصار للنفس، أو فيه خطر على دينك؛ فهذا الجدال هو الجدال القبيح المذموم الذي يجب على المسلم أن يبتعد عنه، قال الله تبارك وتعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}[العنكيوت: 46] وقال: { مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَاد}[غافر:4]

     لأن الحق عندهم واضح وبيِّن ولكن يجادلون عناداً وتعنُّتاً فقط.

    أما مجادلة دعاة البدع وأصحاب الشبهات منهم ومناظرتهم؛ فلا يجوز مطلقاً لعظم خطرهم على الدين، كان السلف يشددون في هذا، ويمنعونه. والله أعلم

     وقال أبو عثمان الصابوني في شرح عقيدة السلف(ص 449 و455): "ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرت، وجرت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام:68]".
    وقال (ص520): "وهذه الجمل التي أثبتها في هذا الجزء كانت معتقد جميعهم، لم يخالف فيها بعضهم بعضاً، بل أجمعوا عليها كلها، واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم". انتهى

    وقال الآجري في الشريعة (1/ 431) في باب باب ذم الجدال والخصومات في الدين، بعد أن ذكر أدلة على النهي عن الجدال، قال: لما سمع هذا أهل العلم من التابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين لم يماروا في الدين، ولم يجادلوا، وحذروا المسلمين المراء والجدال، وأمروهم بالأخذ بالسنن، وبما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، وهذا طريق أهل الحق ممن وفقه الله تعالى، وسنذكر عنهم ما دل على ما قلنا إن شاء الله تعالى".

    وأخرج عن عن مسلم بن يسار أنه كان يقول: «إياكم والمراء؛ فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته».

    وعن أيوب قال: كان أبو قلابة يقول: " لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم".

    وذكر آثاراً كثيرة إلى أن قال: من كان له علم وعقل، فميز جميع ما تقدم ذكري له من أول الكتاب إلى هذا الموضع علم أنه محتاج إلى العمل به، فإن أراد الله به خيراً لزم سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان من أئمة المسلمين في كل عصر، وتعلم العلم لنفسه، لينتفي عنه الجهل، وكان مراده أن يتعلمه لله تعالى ولم يكن مراده، أن يتعلمه للمراء والجدال والخصومات، ولا للدنيا، ومن كان هذا مراده سلم إن شاء الله تعالى من الأهواء والبدع والضلالة، واتبع ما كان عليه من تقدم من أئمة المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم، وسأل الله تعالى أن يوفقه لذلك.

    فإن قال قائل: فإن كان رجل قد علمه الله تعالى علماً، فجاءه رجل يسأله عن مسألة في الدين، ينازعه فيها ويخاصمه، ترى له أن يناظره، حتى تثبت عليه الحجة، ويرد عليه قوله؟ قيل له: هذا الذي نهينا عنه، وهو الذي حذرناه من تقدم من أئمة المسلمين.

     فإن قال قائل: فماذا نصنع؟ قيل له: إن كان الذي يسألك مسألته مسألة مسترشد إلى طريق الحق لا مناظرة، فأرشده بألطف ما يكون من البيان بالعلم من الكتاب والسنة، وقول الصحابة، وقول أئمة المسلمين رضي الله عنهم وإن كان يريد مناظرتك، ومجادلتك، فهذا الذي كره لك العلماء، فلا تناظره، واحذره على دينك، كما قال من تقدم من أئمة المسلمين إن كنت لهم متبعاً.

    فإن قال: فندعهم يتكلمون بالباطل، ونسكت عنهم؟ قيل له: سكوتك عنهم وهجرتك لما تكلموا به أشد عليهم من مناظرتك لهم، كذا قال من تقدم من السلف الصالح من علماء المسلمين.

    وقال: فمن اقتدى بهؤلاء الأئمة سلم له دينه إن شاء الله تعالى، فإن قال قائل: فإن اضطرني في الأمر وقتاً من الأوقات إلى مناظرتهم , وإثبات الحجة عليهم ألا أناظرهم؟ قيل له: الاضطرار إنما يكون مع إمام له مذهب سوء، فيمتحن الناس ويدعوهم إلى مذهبه، كفعل من مضى في وقت أحمد بن حنبل: ثلاثة خلفاء امتحنوا الناس، ودعوهم إلى مذهبهم السوء، فلم يجد العلماء بداً من الذب عن الدين، وأرادوا بذلك معرفة العامة الحق من الباطل، فناظروهم ضرورة لا اختياراً، فأثبت الله تعالى الحق مع أحمد بن حنبل ومن كان على طريقته، وأذل الله تعالى المعتزلة وفضحهم، وعرفت العامة أن الحق ما كان عليه أحمد ومن تابعه إلى يوم القيامة.

     أرجو أن يعيذ الله الكريم أهل العلم من أهل السنة والجماعة من محنة تكون أبداً.

    وقال: وبعد هذا نأمر بحفظ السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنن أصحابه رضي الله عنهم، والتابعين لهم بإحسان، وقول أئمة المسلمين مثل مالك بن أنس، والأوزاعي، وسفيان الثوري، وابن المبارك وأمثالهم، والشافعي رضي الله عنه وأحمد بن حنبل، والقاسم بن سلام، ومن كان على طريقة هؤلاء من العلماء، وينبذ من سواهم، ولا نناظر، ولا نجادل ولا نخاصم، وإذا لقي صاحب بدعة في طريق أخذ في غيره، وإن حضر مجلساً هو فيه قام عنه، هكذا أدبنا من مضى من سلفنا.

    وقال: فإن قال قائل: هذا الذي ذكرته وبينته قد عرفناه، فإذا لم تكن مناظرتنا في شيء من الأهواء التي ينكرها أهل الحق، ونهينا عن الجدال والمراء والخصومة فيها، فإن كانت مسألة من الفقه في الأحكام، مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والنكاح والطلاق، وما أشبه ذلك من الأحكام، هل لنا مباح أن نناظر فيه ونجادل، أم هو محظور علينا، عرفنا ما يلزم فيه كيف السلامة؟

    قيل له: هذا الذي ذكرته ما أقل من يسلم من المناظرة فيه، حتى لا يلحقه فيه فتنة ولا مأثم، ولا يظفر فيه الشيطان، فإن قال كيف؟ قيل له: هذا، قد كثر في الناس جداً في أهل العلم والفقه في كل بلد يناظر الرجل الرجل يريد مغالبته، ويعلو صوته، والاستظهار عليه بالاحتجاج، فيحمر لذلك وجهه، وتنتفخ أوداجه، ويعلو صوته، وكل واحد منهما يحب أن يخطئ صاحبه، وهذا المراد من كل واحد منهما خطأ عظيم، لا يحمد عواقبه ولا يحمده العلماء من العقلاء؛ لأن مرادك أن يخطئ مناظرك: خطأ منك، ومعصية عظيمة، ومراده أن تخطئ خطأ منه ومعصية، فمتى يسلم الجميع؟

    فإن قال قائل: فإنما نناظر لتخرج لنا الفائدة؟ قيل له: هذا كلام ظاهر، وفي الباطن غيره، وقيل له: إذا أردت وجه السلامة في المناظرة لطلب الفائدة، كما ذكرت، فإذا كنت أنت حجازياً، والذي يناظرك عراقياً، وبينكما مسألة، تقول أنت: حلال، ويقول هو: بل حرام فإن كنتما تريدان السلامة، وطلب الفائدة، فقل له: رحمك الله هذه المسألة قد اختلف فيها من تقدم من الشيوخ، فتعال حتى نتناظر فيها منا صحة لا مغالبة فإن يكن الحق فيها معك، اتبعتك، وتركت قولي، وإن يكن الحق معي، اتبعتني وتركت قولك، لا أريد أن تخطئ ولا أغالبك، ولا تريد أن أخطئ، ولا تغالبني فإن جرى الأمر على هذا فهو حسن جميل، وما أعز هذا في الناس.

     فإذا قال كل واحد منهما: لا نطيق هذا، وصدقا عن أنفسهما، قيل: لكل واحد منهما، قد عرفت قولك وقول صاحبك وأصحابك واحتجاجهم، وأنت فلا ترجع عن قولك، وترى أن خصمك على الخطأ وقال خصمك كذلك، فما بكما إلى المجادلة والمراء والخصومة حاجة إذا كان كل واحد منكما ليس يريد الرجوع عن مذهبه، وإنما مراد كل واحد منكما أن يخطئ صاحبه، فأنتما آثمان بهذا المراد، أعاذ الله العلماء العقلاء عن مثل هذا المراد، فإذا لم تجر المناظرة على المناصحة، فالسكوت أسلم، قد عرفت ما عندك وما عنده وعرف ما عنده وما عندك، والسلام ثم لا نأمن أن يقول لك في مناظرته: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقول له: هذا حديث ضعيف، أو تقول: لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك، لترد قوله، وهذا عظيم، وكذلك يقول لك أيضا، فكل واحد منكما يرد حجة صاحبه بالمخارقة والمغالبة وهذا موجود في كثير ممن رأينا يناظر ويجادل ونتجادل، حتى ربما خرق بعضهم على بعض هذا الذي خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، وكرهه العلماء ممن تقدم. والله أعلم

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم