• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: معنى نعمت البدعة
  • رقم الفتوى: 1821
  • تاريخ الإضافة: 28 شعبان 1440
  • السؤال
    أريد ان أسأل عن معنى حديث عمر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعمت البدعة هذه. هل يؤخذ من هذا أن من البدع ما هو جائز؟
  • الاجابة

    هذا لم يروه عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو من قوله،  هو قاله وليس النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه عنه مالك في الموطأ (1/ 114)، والبخاري في صحيحه (2010).

    ومعنى البدعة هنا: البدعة اللغوية، أي شيء جديد، والتراويح كانت جديدة بالنسبة لعمر في ولايته جماعة في المسجد بإمام واحد، وإلا فلها أصل في الشرع؛ فقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه(1)، وحث على صلاتها جماعة(2)، ولكنه تركها خشية أن تفرض، ولما مات زالت تلك الخشية، فأعادها عمر رضي الله عنه، وقال: نعمت البدعة. 

    فلا يتحقق فيها المعنى الشرعي للبدعة؛ لأن البدعة بالمعنى الشرعي عبادة لا يكون لها أصل صحيح في الشرع، وصلاة التراويح لها أصل صحيح، والبدع بالمعنى الشرعي كلها محرمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " وكل بدعة ضلالة"(3) وهذا الحديث باق على عمومه. والله أعلم 

    بين هذا المعنى ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم(2/ 95)، قال: ثم نقول: أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك: بدعة، مع حسنها، وهذه تسمية لغوية، لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق.
    وأما البدعة الشرعية: فما لم يدل عليه دليل شرعي، فإذا كان نص رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دل على استحباب فعل أو إيجابه بعد موته أو دل عليه مطلقاً، ولم يعمل به إلا بعد موته، ككتاب الصدقة، الذي أخرجه أبو بكر -رضي الله عنه- فإذا عمل ذلك العمل بعد موته صح أن يسمى بدعة في اللغة؛ لأنه عمل مبتدأ كما أن نفس الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يسمى بدعة ويسمى محدثاً في اللغة، كما قالت رسل قريش للنجاشي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين إلى الحبشة: " إن هؤلاء خرجوا من دين آبائهم، ولم يدخلوا في دين الملك، وجاءوا بدين محدث لا يعرف ".
    ثم ذلك العمل الذي يدل عليه الكتاب والسنة: ليس بدعة في الشريعة، وإن سمي بدعة في اللغة، فلفظ البدعة في اللغة أعم من لفظ البدعة في الشريعة. وقد علم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة» لم يرد به كل عمل مبتدأ، فإن دين الإسلام، بل كل دين جاءت به الرسل فهو عمل مبتدأ، وإنما أراد: ما ابتدئ من الأعمال التي لم يشرعها هو صلى الله عليه وسلم.
    وإذا كان كذلك: فالنبي صلى الله عليه وسلم قد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى؛ وقد قال لهم في الليلة الثالثة، أو الرابعة لما اجتمعوا: "إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن تفرض عليكم، فصلوا في بيوتكم؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة" فعلّل صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم.
    فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه جمعهم على قارئ واحد، وأسرج المسجد، فصارت هذه الهيئة وهي اجتماعهم في المسجد على إمام واحد مع الإسراج عملاً لم يكونوا يعملونه من قبل؛ فسمي بدعة؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك، ولم يكن بدعة شرعية؛ لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض قد زال بموته صلى الله عليه وسلم فانتفى المعارض. انتهى وانظر الفتاوى الكبرى له (2/ 92).

    وقال ابن كثير في تفسيره (1/ 398):  والبدعة على قسمين: تارة تكون بدعة شرعية، كقوله: "فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة". وتارة تكون بدعة لغوية، كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم: "نعمت البدعة هذه". انتهى

    وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم (2/ 128): "فقوله صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة» من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدين، وهو شبيه بقوله: «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد» ، فكل من أحدث شيئاً، ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه، فهو ضلالة، والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات، أو الأعمال، أو الأقوال الظاهرة والباطنة.

    وأمّا ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنّما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لمّا جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد، وخرج ورآهم يصلون كذلك فقال: نعمت البدعة هذه، وروي عنه أنّه قال: إن كانت هذه بدعة، فنعمت البدعة، ورُوي عن أُبي بن كعب قال له: إنّ هذا لم يكن، فقال عمر: قد علمتُ، ولكنّه حسن.

    ومراده أنّ هذا الفعل لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت، ولكن له أصول من الشريعة يرجع إليها، فمنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يحثُّ على قيام رمضان ويُرّغبُ فيه، وكان الناس في زمنه يقومون في المسجد جماعات متفرقة ووحداناً، وهو صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في رمضان غير ليلة ثم امتنع من ذلك معللاً بأنّه خشي أن يُكتب عليهم فيعجزوا عن القيام به، وهذا قد أُمن بعده صلى الله عليه وسلم. وروي عنه أنّه كان يقوم بأصحابه ليالي الأفراد في العشر الأواخر.

    ومنها: أنّه صلى الله عليه وسلم أمر باتباع سنّة الخلفاء الراشدين، وهذا قد صار من سنّة خلفائه الراشدين، فإنّ الناس اجتمعوا عليه في زمن عمر وعثمان وعلي" . انتهى والله أعلم

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) أخرجه البخاري (1129)، ومسلم (761) عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: «قد رأيت الذي صنعتم، ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم». وذلك في رمضان. انتهى 

    (2) عن أبي ذر، قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله، لو نفلتنا قيام هذه الليلة، قال: فقال: «إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة»، قال: فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقم بقية الشهر. انتهى أخرجه أحمد (35/ 331)، وأبو داود (1375) وغيرهما.

    (3) أخرجه مسلم في صحيحه (867).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم