• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: الجمع الصوري
  • رقم الفتوى: 1925
  • تاريخ الإضافة: 9 رمضان 1440
  • السؤال
    ما رأي فضيلتكم في الجمع الصوري ؟
  • الاجابة

    الجمع الصوري، صورته صورة جمع، ولكن حقيقته ليس جمعاً، وذلك بأن تؤخر الظهر إلى آخر وقتها وتقدم العصر إلى أول وقتها، وكذلك تفعل في المغرب والعشاء، وهذا ليس جمعاً، ولا يصح أن تحمل عليه أحاديث الجمع. وهذا الجمع قال به أبو حنيفة رحمه الله، والله أعلم .

    قال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 207): وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجمع أحد بين الصلاتين في سفر ولا حضر لا صحيح ولا مريض في صحو ولا مطر؛ إلا أن للمسافر أن يؤخر الظهر إلى آخر وقتها، ثم ينزل فيصليها، ثم يمكث قليلاً ويصلي العصر في أول وقتها، وكذلك المريض.
    قالوا: وأما أن يصلي صلاة في وقت أخرى فلا إلا بعرفة والمزدلفة لا غير.

    وقال: ولا معنى للجمع الذي ذهب إليه أبو حنيفة ومن قال بقوله؛ لأن ذلك جائز في الحضر، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في طرفي وقت الصلاة: "ما بين هذين وقت"، فأجاز الصلاة في آخر الوقت، ولو لم يجز في السفر من سعة الوقت إلا ما جاز في الحضر؛ بطل معنى السفر ومعنى الرخصة والتوسعة لأجله.
    ومعلوم أن الجمع بين الصلاتين في السفر رخصة لمكان السفر، وتوسعة في الوقت، كما أن القصر في السفر لم يكن إلا من أجل السفر، وما يلقى فيه من المشقة في الأغلب، وفي ارتقاب المسافر ومراعاته أن لا يكون نزوله إلا في الوقت الذي عده أبو حنيفة مشقة وضيقاً لا سعة.
    وقد أجمع العلماء أنه لا يجوز الجمع بين العصر والمغرب ولا بين العشاء والصبح، ولو كان الجمع بين الصلاتين في السفر على ما ذهب أبو حنيفة إليه والقائلون بقوله؛ لجاز الجمع بين العصر والمغرب بأن يصلي العصر في آخر وقتها ثم يتمهل قليلاً ويصلي المغرب،
    وهذا كله شاهد على ما ذهبوا إليه في الجمع بين الصلاتين ودليل على أنهم دفعوا الآثار في ذلك برأيهم. وبالله التوفيق لا شريك له. انتهى 

    وقال ابن قدامة في المغني (2/ 200): فإن قيل: معنى الجمع في الأخبار أن يصلي الأولى في آخر وقتها، والأخرى في أول وقتها. قلنا: هذا فاسد لوجهين: أحدهما، أنه قد جاء الخبر صريحاً في أنه كان يجمعهما في وقت إحداهما، على ما سنذكره، ولقول أنس: أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق. فيبطل التأويل.
    الثاني، أن الجمع رخصة، فلو كان على ما ذكروه لكان أشد ضيقاً، وأعظم حرجاً من الإتيان بكل صلاة في وقتها؛ لأن الإتيان بكل صلاة في وقتها أوسع من مراعاة طرفي الوقتين، بحيث لا يبقى من وقت الأولى إلا قدر فعلها، ومن تدبر هذا وجده كما وصفنا، ولو كان الجمع هكذا لجاز الجمع بين العصر والمغرب، والعشاء والصبح، ولا خلاف بين الأمة في تحريم ذلك، والعمل بالخبر على الوجه السابق إلى الفهم منه (أولى) من هذا (التكلف) الذي يصان كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حمله عليه. انتهى 

    وقال الألباني رحمه الله: أما الجمع الثالث الذي يسمى بالجمع الصوري وهو نستطيع أن نقول: إنه صوري لا حقيقة له ولا وجود له إلا في أذهان بعض المتأولين لبعض الأحاديث، وأبعد الناس عن هذه الأحاديث هم الحنفية الذين ينكرون شرعية الجمع الحقيقي في السفر؛ اللهم إلا في عرفة وفي مزدلفة فقط، ويتأولون كل الأحاديث التي جاءت بالجمع تأويل الجمع الصوري، ويعنون بذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جمع في السفر أخر الصلاة الأولى كالظهر مثلاً مع العصر إلى قبيل وقت العصر وإلى آخر وقت الظهر، فما يكاد يصلي الظهر إلا ويكون دخل وقت العصر، وهكذا المغرب مع العشاء.
    هذا الجمع الصوري لا نجد له حقيقةً صريحة في كل الأحاديث التي جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه جمع بين الصلوات، وكما قلت آنفاً: إنما هما قسمان:
    أحاديث تقول جمع رسول الله وليس بيان صورة هذا الجمع.
    والأحاديث الأخرى تبين حقيقة هذا الجمع بعضها جمع تأخير كما سبق ذكره في حديث أنس، وبعضها جمع تقديم كما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه الذي أخرجه الإمام مالك في موطئه وأبو داود في سننه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل في غزوة تبوك فلما حضرت صلاة الظهر أمر بالأذان فأذن ثم خرج فصلى الظهر ثم صلى العصر مع الظهر فهذا جمع تقديم، قدم صلاة العصر إلى وقت صلاة الظهر وجمع بينهما في وقت صلاة الظهر، هذا جمع حقيقي وجمع تقديم، ثم كذلك فعل عليه الصلاة والسلام في صلاة المغرب وصلاة العشاء جمعهما أيضاً وهو نازل في رجوعه من تبوك، هذا أيضاً جمع تقديم. انتهى المراد.

    جامع تراث الألباني (6/ 285).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم