• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: حكم الصلاة في مكة وقت الكراهة
  • رقم الفتوى: 2338
  • تاريخ الإضافة: 16 شوال 1440
  • السؤال
    هل تستثنى مكة من عموم النهي عن الصلاة في أوقات الكراهة؟ وكذلك يوم الجمعة قبل صعود الإمام على المنبر؟
  • الاجابة

    تجوز الصلاة في أوقات النهي في مكة، وقبل صلاة الجمعة في أي بلد؛ لما ورد في السنن عن جبير بن مطعم أن النبي ﷺ قال: « يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمر الناس شيئاً فلا يمنعنّ أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار » ([1]).

    وفي حديث أبي هريرة عن رسول الله ﷺ، قال: «من اغتسل يوم الجمعة فصلى ما قدّر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام... إلخ»([2]) ، وحديث أبي سعيد وأبي هريرة، «من اغتسل يوم الجمعة، واستاك ولبس أحسن ثيابه وتطيّب بطيب إن وجده ثم جاء ولم يتخط الناس فصلى ما شاء الله أن يصلي فإذا خرج الإمام سكت فذلك كفارة إلى يوم الجمعة الأخرى »([3])، فدلت هذه الأحاديث على جواز الصلاة في هذه الأوقات ومن ضمنها أوقات النهي. والله أعلم .

    قال الترمذي في جامعه (868): وقد اختلف أهل العلم في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح بمكة، فقال بعضهم: لا بأس بالصلاة والطواف بعد العصر وبعد الصبح، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، واحتجوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا.
    وقال بعضهم: إذا طاف بعد العصر لم يصل حتى تغرب الشمس، وكذلك إن طاف بعد صلاة الصبح أيضاً لم يصل حتى تطلع الشمس، واحتجوا بحديث عمر: أنه طاف بعد صلاة الصبح فلم يصل، وخرج من مكة حتى نزل بذي طوى فصلى بعد ما طلعت الشمس، وهو قول سفيان الثوري، ومالك بن أنس. انتهى

    وقال النووي في المجموع (4/ 179):  أما حكم المسألة؛ فقال أصحابنا: لا تكره الصلاة بمكة في هذه الأوقات، سواء في ذلك صلاة الطواف وغيرها. هذا هو الصحيح المشهور عندهم، وفيه وجه أنه انما تباح صلاة الطواف، حكاه الخراسانيون وجماعة من العراقيين، منهم الشيخ أبو حامد والبندنيجي والماوردي، وحكاه صاحب الحاوي عن أبي بكر القفال الشاشي. والمذهب الأول، قال صاحب الحاوي: وبه قال أبو إسحق المروزي وجمهور أصحابنا.

    والمراد بمكة: البلدة وجميع الحرم الذي حواليها، وفي وجه إنما تباح في نفس البلدة دون باقي الحرم، وفي وجه ثالث حكاه صاحب الحاوي عن القفال الشاشي؛ إنما تباح في نفس المسجد الذي حول الكعبة لا فيما سواه من بيوت مكة، وسائر الحرم. والصحيح الأول، صححه الأصحاب، وحكاه صاحب الحاوي عن أبي اسحق المروزي. هذا تفصيل مذهبنا، وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد: لا تباح الصلاة بمكة في هذه الأوقات لعموم الأحاديث. دليلنا حديث جبير. والله أعلم

    وقال ابن عبد البر في التمهيد (4/ 17): ونذكر ها هنا أقاويل الفقهاء في الصلاة عند استواء الشمس في كبد السماء؛ لأنه أولى المواضع بما في ذلك وبالله العون.

    فأما مالك وأصحابه؛ فلا بأس عندهم بالصلاة نصف النهار، قال ابن القاسم قال مالك: لا أكره الصلاة نصف النهار إذا استوت الشمس في وسط السماء لا في يوم الجمعة ولا في غيره، ولا أعرف هذا النهي، وما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار.

    إلى أن قال: ويوم الجمعة عند مالك وغير يوم الجمعة سواء؛ لأن الفرق بينهما لم يصح عنده في أثر ولا نظر، وممن رخص في ذلك أيضاً الحسن وطاوس والأوزاعي.

    وقال أبو يوسف والشافعي وأصحابه: لا بأس بالتطوع نصف النهار يوم الجمعة خاصة، وهي رواية عن الأوزاعي وأهل الشام . وحجة الشافعي ومن قال بقوله هذا ما رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن إسحق بن عبد الله عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة، واحتج أيضا بحديث مالك عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك وقد تقدم ذكره، قال: وخبر ثعلبة عن عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الهجرة أنهم كانوا يصلون نصف النهار يوم الجمعة.

    قال أبو عمر: كأنه يقول النهي عن الصلاة عند استواء الشمس صحيح وخص منه يوم الجمعة، بما روي من العمل الذي لا يكون مثله إلا توقيفاً وبالخبر المذكور أيضاً وبقي سائر الأيام موقوفة على النهي. وإبراهيم بن محمد الذي روى عنه الشافعي هذا الخبر هو ابن أبي يحيى المدني متروك الحديث، وإسحق بعده في الإسناد وهو ابن أبي فروة ضعيف أيضاً، فكأنه إنما يقوى عنده هذا الخبر بما روي عن الصحابة في زمن عمر من الصلاة نصف النهار يوم الجمعة. وبالله التوفيق.

    وروى ابن عبد البر عن السائب بن يزيد قال: النداء الذي ذكر الله في القرآن إذا كان الإمام على المنبر زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، حتى كان عثمان فكثر الناس واستبعدت البيوت فزاد النداء الثاني، فلم يعيبوه. قال السائب: وكان عمر إذا خرج ترك الناس الصلاة وجلسوا، فإذا جلس على المنبر صمتوا. وكان عطاء بن أبي رباح يكره الصلاة نصف النهار في الصيف ويبيح ذلك في الشتاء.

    وقال أبو حنيفة والثوري ومحمد بن الحسن والحسن بن حي وعبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل: لا يجوز التطوع نصف النهار في شتاء ولا صيف، وكرهوا ذلك، ولا يجوز عند أبي حنيفة وأصحابه أن تصلى فريضة ولا على جنازة ولا شيء من الصلوات لا فائتة مذكورة ولا غيرها، ولا نافلة عند استواء الشمس نصف النهار. انتهى باختصار. والله أعلم وانظر الفتوى رقم (2344) 


    ([1]) أخرجه أبو داود (1894)، والترمذي (868)، والنسائي (585)، وابن ماجه (125) من حديث جبير بن مطعم .

    ([2]) أخرجه مسلم (857).

    ([3]) أخرجه أحمد (18/292)، وأبو داود (343) وغيرهما.

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم