• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: الاختلاف في صفة الأذان
  • رقم الفتوى: 2392
  • تاريخ الإضافة: 23 شوال 1440
  • السؤال
    اختلف الفقهاء في صفة الأذان فما هو سبب الاختلاف ؟
  • الاجابة

    اختلافهم حصل بسبب اختلاف الألفاظ الواردة في الأحاديث الصحيحة، والصحيح أن الأذان جائز بكل الصفات التي صحت فيه؛ فاختلافها اختلاف تنوّع، فيجوز هذا ويجوز هذا، وهي مذكورة في «الصحيحين » وغيرهما.

    ففي بعض الروايات الأذان المشهور الآن بين المسلمين تربيع التكبير وتثنية الباقي وهو أذان عبد الله بن زيد وبلال، فيه: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. هذا عند أبي داود وغيره واختلف في التكبير بين اثنين وأربع في أوله.

     وفي بعض الروايات تثنية التكبير، وتربيع الشهادتين وهو الترجيع وباقيه مثنى مثنى، جاءت هذه الصفة في حديث أبي محذورة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم علمه هذا الأذان: «الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله»، ثم يعود فيقول: «أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين» زاد إسحاق: «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله». أخرجه مسلم (379). واختلف فيه أيضاً في التكبير حتى في بعض روايات مسلم بين اثنين وأربع في أوله. وفي رواية عند أبي داود(500) قال: تقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، ترفع بها صوتك، ثم تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، تخفض بها صوتك، ثم ترفع صوتك بالشهادة، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله..الحديث.

    قال الترمذي(191): حديث أبي محذورة في الأذان حديث صحيح، وقد روي عنه من غير وجه، وعليه العمل بمكة، وهو قول الشافعي. انتهى 

    قال ابن المنذر في الأوسط (3/ 147): اختلف أهل العلم في سنة الأذان، فقال مالك، والشافعي، ومن تبعهما من أهل الحجاز: الأذان أذان أبي محذورة، لم يختلفا في ذلك إلا في أول الأذان، فإن مالكا كان يرى أن يقال: الله أكبر الله أكبر مرتين، والشافعي يرى أن يكبر المؤذن في أول الأذان أربعا، يقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، واتفقا في سائر الأذان.

    إلى أن قال: وقد كان أحمد بن حنبل يميل إلى أذان بلال، فقيل له: أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد، قال: أليس قد رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأقر بلالاً على أذان عبد الله بن زيد؟
    وقال آخر من أصحابنا: هذا من أبواب الإباحة إن شاء المؤذن أذن كأذان أبي محذورة وثنى الإقامة، وإن شاء أن يثني الأذان ويوتر الإقامة فعل، لأن الأخبار قد ثبتت بذلك.
    وقال آخر كما قال، وقال: كما من شاء توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ومن شاء توضأ مرتين مرتين، وقد أجاب أحمد بن حنبل بمثل هذا المعنى ووافقه عليه إسحاق، وقال أحمد: إن رجع فلا بأس وإن لم يرجع فلا بأس، وقال إسحاق: ثبت عن بلال وأبي محذورة أذانهما، وكل سنة فهما مستعملان جميعاً، والذي نختار أذان بلال.
    فأما سفيان الثوري وأصحاب الرأي فمذهبهم في الأذان أنه مثنى مثنى على حديث عبد الله بن زيد، وكذلك قولهم في الإقامة إنها مثنى مثنى. انتهى 

    وقال ابن تيمية: وإذا كان كذلك، فالصواب مذهب أهل الحديث ومن وافقهم، وهو تسويغ كل ما ثبت في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يكرهون شيئاً من ذلك؛ إذ تنوع صفة الأذان والإقامة كتنوع صفة القراءات والتشهدات ونحو ذلك.

    وليس لأحد أن يكره ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته.

    وأما من بلغ به الحال إلى الاختلاف والتفرق حتى يوالي ويعادي ويقاتل على مثل هذا ونحوه مما سوغه الله تعالى، كما يفعله بعض أهل المشرق؛ فهؤلاء من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً.

    وكذلك ما يقوله بعض الأئمة - ولا أحب تسميته - من كراهة بعضهم للترجيع وظنهم أن أبا محذورة غلط في نقله وأنه كرره ليحفظه، ومن كراهة من خالفهم لشفع الإقامة مع أنهم يختارون أذان أبي محذورة، هؤلاء يختارون إقامته ويكرهون أذانه، وهؤلاء يختارون أذانه ويكرهون إقامته؛ فكلاهما قولان متقابلان، والوسط أنه لا يكره لا هذا ولا هذا.

    وإن كان أحمد وغيره من أئمة الحديث يختارون أذان بلال وإقامته لمداومته على ذلك بحضرته صلى الله عليه وسلم، فهذا كما يختار بعض القراءات والتشهدات ونحو ذلك.

     ومن تمام السنة في مثل هذا: أن يفعل هذا تارة وهذا تارة، وهذا في مكان وهذا في مكان؛ لأن هجر ما وردت به السنة وملازمة غيره قد يفضي إلى أن يجعل السنة بدعة والمستحب واجباً، ويفضي ذلك إلى التفرق والاختلاف إذا فعل آخرون الوجه الآخر.

    فيجب على المسلم أن يراعي القواعد الكلية التي فيها الاعتصام بالسنة والجماعة لا سيما في مثل صلاة الجماعة.

    وأصح الناس طريقة في ذلك هم علماء الحديث الذين عرفوا السنة واتبعوها، إذ من أئمة الفقه من اعتمد في ذلك على أحاديث ضعيفة، ومنهم من كان عمدته العمل الذي وجده ببلده وجعل ذلك السنة دون ما خالفه، مع العلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد وسع في ذلك، وكل سنة.

    وربما جعل بعضهم أذان بلال وإقامته ما وجده في بلده: إما بالكوفة وإما بالشام وإما بالمدينة.

    وبلال لم يؤذن بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا قليلاً، وإنما أذن بالمدينة سعد القرظي مؤذن أهل قباء.

    والترجيع في الأذان اختيار مالك والشافعي: لكن مالكاً يرى التكبير مرتين، والشافعي يراه أربعاً، وتركه اختيار أبي حنيفة، وأما أحمد فعنده كلاهما سنة، وتركه أحب إليه؛ لأنه أذان بلال.

    والإقامة يختار إفرادها مالك والشافعي وأحمد، وهو مع ذلك يقول: إن تثنيتها سنة، والثلاثة: أبو حنيفة والشافعي وأحمد يختارون تكرير لفظ الإقامة دون مالك. والله أعلم. انتهى مجموع الفتاوى (22/ 66).

     

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم