• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: تأخير الحج مع تحقق شروطه في المسلم
  • رقم الفتوى: 2558
  • تاريخ الإضافة: 13 ذو القعدة 1440
  • السؤال
    من توفرت شروط الحج فيه ، فهل له أن يأخر الحج وهل يأثم بذلك ؟
  • الاجابة

    يجب على كل مكلف مستطيع حر؛ الحج فوراً بمجرد تحقق شروط الحج، وهي الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والاستطاعة، انظر الفتوى رقم (2538)، من غير تأخير؛ لأن الأصل في الأمر أنَّه على الفور لا على التراخي؛ لقول الله تبارك وتعالى: { فاستبقوا الخيرات}.

    والأمر الثاني: أن المرء لا يدري ما يعرض له من بعدُ، فلربما تيسرت لشخص في سنة من السنين جميع سُبل الحج وأسبابه، فأَجَّلَه، ولا تتيسر له مرة أخرى، ولا يدري متى يموت.

    فيجب عليه أن يحجّ في الوقت الذي تيسرت له الأسباب فيه، لئلا يفوته بعد ذلك، فما تقدم يدل على أن الحجَّ إذا توفرت أسبابه صار لازماً لصاحبه فوراً، ولا يجوز تأخيره، ومتى أخره لغير عذر أثم. والله أعلم 

    قال ابن قدامة في المغني (3/ 233): "من وجب عليه الحج، وأمكنه فعله، وجب عليه على الفور، ولم يجز له تأخيره. وبهذا قال أبو حنيفة، ومالك.
    وقال الشافعي: يجب الحج وجوباً موسعاً، وله تأخيره؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر على الحج، وتخلف بالمدينة، لا محارباً، ولا مشغولا بشيء، وتخلف أكثر الناس قادرين على الحج، ولأنه إذا أخره ثم فعله في السنة الأخرى لم يكن قاضيا له، دل على أن وجوبه على التراخي.
    ولنا، قول الله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} [آل عمران: 97] . وقوله: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196] . والأمر على الفور".

    فذكر مجموعة من الأحاديث الضعيفة، ثم قال: "ولأنه أحد أركان الإسلام، فكان واجباً على الفور، كالصيام. ولأن وجوبه بصفة التوسع يخرجه عن رتبة الواجبات؛ لأنه يؤخر إلى غير غاية ولا يأثم بالموت قبل فعله، لكونه فعل ما يجوز له فعله، وليس على الموت أمارة يقدر بعدها على فعله.

    فأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنما فتح مكة سنة ثمان، وإنما أخره سنة تسع، فيحتمل أنه كان له عذر، من عدم الاستطاعة، أو كره رؤية المشركين عراة حول البيت، فأخر الحج حتى بعث أبا بكر ينادي: أن «لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» .
    ويحتمل أنه أخره بأمر الله تعالى لتكون حجته حجة الوداع في السنة التي استدار فيها الزمان كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ويصادف وقفة الجمعة، ويكمل الله دينه. ويقال: إنه اجتمع يومئذ أعياد أهل كل دين، ولم يجتمع قبله ولا بعده.

    فأما تسمية فعل الحج قضاء، فإنه يسمى بذلك، قال الله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم} [الحج: 29] ، وعلى أنه لا يلزم من الوجوب على الفور تسمية القضاء؛ فإن الزكاة تجب على الفور، ولو أخرها لا تسمى قضاء، والقضاء الواجب على الفور إذا أخره لا يسمى قضاء القضاء، ولو غلب على ظنه في الحج أنه لا يعيش إلى سنة أخرى، لم يجز له تأخيره، فلو أخره لا يسمى قضاء".انتهى 

    وقال ابن عثيمين ردا على دليل الشافعية: وأما فرض الحج فالصواب أنه في السنة التاسعة، ولم يفرضه الله تعالى قبل ذلك؛ لأن فرضه قبل ذلك ينافي الحكمة، وذلك أن قريشاً منعت الرسول صلى الله عليه وسلم من العمرة فمن الممكن والمتوقع أن تمنعه من الحج، ومكة قبل الفتح بلاد كفر، ولكن تحررت من الكفر بعد الفتح، وصار إيجاب الحج على الناس موافقاً للحكمة.
    والدليل على أن الحج فرض في السنة التاسعة أن آية وجوب الحج في صدر سورة آل عمران، وصدر هذه السورة نزلت عام الوفود.
    فإن قيل: لماذا لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم في التاسعة، وأنتم تقولون على الفور؟.
    الجواب: لم يحج صلى الله عليه وسلم لأسباب: الأول: كثرة الوفود عليه في تلك السنة، ولهذا تسمى السنة التاسعة عام الوفود، ولا شك أن استقبال المسلمين الذين جاؤوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليتفقهوا في دينهم أمر مهم، بل قد نقول: إنه واجب على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ليبلغ الناس.
    الثاني: أنه في السنة التاسعة من المتوقع أن يحج المشركون، ـ كما وقع ـ فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤخر من أجل أن يتمحض حجه للمسلمين فقط، وهذا هو الذي وقع، «فإنه أذن في التاسعة ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان».
    وكان الناس في الأول يطوفون عراة بالبيت إلا من وجد ثوباً من الحمس من قريش، فإنه يستعيره ويطوف به، أما من كان من غير قريش فلا يمكن أن يطوفوا بثيابهم بل يطوفون عراة، وكانت المرأة تطوف عارية، وتضع يدها على فرجها، وتقول:
    اليوم يبدو بعضه أو كله
    وما بدا منه فلا أحـــله.

    انتهى من شرح زاد المستقنع (7/ 15). 

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم