• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: تحريم مكة وما يتعلق بها
  • رقم الفتوى: 2758
  • تاريخ الإضافة: 6 ذو الحجة 1440
  • السؤال
    يطلق على مكة الحرم المكي فكيف ثبت هذا التحريم؟ وما المرحم فيها؟
  • الاجابة

    تحريم مكة أصله قول النبي ﷺ يوم فتح مكة: «إن مكة حرَّمها الله ولم يُحَرِّمها الناس فلا يَحِلّ لامرئٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أنْ يسفك فيها دماً، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخّص بقتال رسول الله فيها، فقولوا له: إن الله أذن لرسوله، ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتُها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلّغ الشاهدُ الغائبَ»([1]).

    فالمُحَرَّم الأول في مكة هو سفك الدم، فالقتل فيها مُحَرَّم، وكذلك القتال.

    «فإن أحد ترَّخص لقتال رسول الله فيها فقولوا له: إن الله أَذِن لرسوله ولم يأذن لكم»، معناه إذا أحد استدل بأن النبي ﷺ قد قاتل أو دخل مُقاتلاً إلى مكة، فيجوز لنا القتال، فقولوا له: بأن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم.

    والمُحَرَّم الثاني هو قطع الشجر؛ لقول النبي ﷺ «ولا يَعضد بها شجرة».

    وأما المُحَرَّم الثالث، فهو تنفير الصيد، ودليله ما جاء في رواية: «ولا يُنَفَّر صيدها، ولا يُختلى شوكها، ولا تحِلُّ ساقطتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يُفدى، وإما أن يُقتل» فقال العباس: إلا الإذخر يا رسول الله، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا، فقال رسول الله ﷺ: «إلا الإذخر»([2]) متفق عليه.

    وتنفير الصيد أبلغ من القتل، فليس فقط أن لا يصطاد فيها، بل يَحرُم أيضاً أن يُنفِّر صيدها، أي أن يزعجه من مكانه الذي هو فيه ويطرده منه، فهذا أبلغ من القتل.

    المُحَرَّم الرابع: «ولا يُختلى شوكها»، أي لا يُقطع حتى الشوك الذي فيها.

    المحرم الخامس: «ولا تَحِلّ ساقطتها إلا لمُنْشِد»، والساقطة ما يسقط من الناس من ممتلكاتهم، أي الشيء الذي يضيع، وتسمى لُقَطَةً، وهذه اللُقطة لا تَحِلّ إلا لمُنْشِد. والمنشد، هو الذي أخذها ليُبَلّغ عنها ويبحث عن صاحبها فقط، أما غير ذلك فلا تَحِلّ ألبتة.

    فالأول: لا يجوز سفك الدم فيها. والثاني: لا يجوز قطع الأشجار فيها. والثالث: لا يُنَفَّر صيدها. والرابع: لا يختلى شوكها. والخامس: لا تحل ساقطتها إلا لمنشد.

    قال ابن العطار في شرح العمدة (2/ 973): وفي هذا الحديث أحكام كثيرة:...

    ومنها: عظم قدر مكَّة.

    ومنها: أنَّ التَّحريم والتَّحليل إنَّما هو من عند الله تعالى، وأنَّ النَّاس ليس لهم فيه مدخل.

    ومنها: تحريم مكَّة، واختلف العلماء في ابتداء تحريمها، فقال الأكثرون: لم تزل محرَّمة من يوم خلق الله السموات والأرض.
    وقيل: ما زالت حلالًا إلى زمن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - كغيرها، ثمَّ ثبت لها التَّحريم من زمن إبراهيم...

    ومنها: ما أكرم الله تعالى به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من تحليل القتال له بمكة ساعةً من نهار، وأنَّه استمرَّ تحريمها إلى يوم القيامة.

    ومنها: تحريم القتال بمكة.
    قال أبو الحسن الماورديُّ، صاحب كتاب "الحاوي" في كتابه "الأحكام السُّلطانية": من خصائص حرم مكَّة: أن لا يحارب أهله، فلو بغى أهله على أهل العدل، فإن أمكن ردُّهم عن البغي بغير قتالٍ، لم يجز قتالهم، وإن لم يمكن ردُّهم عن البغي إلَّا بالقتال، فقال جمهور الفقهاء: يقاتلون؛ لأنَّ قتال البغاة من حقوق الله -عزَّ وجلَّ- الَّتي لا يجوز إضاعتها، فحفظها في الحرم أولى من إضاعتها، وهذا هو الصَّواب الَّذي نصَّ عليه الشَّافعيُّ في "الأمِّ"، في: اختلاف الحديث، منه، وفي "سير الواقديِّ" منه.
    وقال بعض الفقهاء: يحرم قتالهم، ويضيَّق عليهم حتَّى يرجعوا إلى الطَّاعة،ويدخلوا في أحكام أهل العدل... 

    ومنها: أنَّ الملتجئ إلى الحرم، إذا وجب عليه قتل لا يقتل به، وبه قال أبو حنيفة وأحمد؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا"، وهذا عام، تدخل فيه صور النِّزاع، قال أبو حنيفة: بل يُلجأ إلى أن يخرج من الحرم، فيُقتل خارجه، وذلك بالتَّضييق عليه.

    ومنها: تحريم قطع شجر الحرم، واتَّفق العلماء عليه فيما لا يستنبته الآدميون في العادة، سواء كان له شوك يؤذي، أم لا، وسواء الكلأ، وغيره، وقال جمهور أصحاب الشَّافعيِّ: لا يحرم قطع الشَّوك؛ لأنَّه مؤذ، فأشبه الفواسق الخمس، ويخصون الحديث بالقياس، واختار المتولِّي من الشَّافعية التحريم مطلقًا، وهو الصَّحيح.
    وأمَّا ما يستنبته الآدميون، ففيه خلاف للفقهاء، فلو قطع ما يحرم قطعه، هل يضمنه؟ قال مالك: يأثم، ولا فدية عليه، وقال الشَّافعيُّ، وأبو حنيفة: عليه الفدية، واختلفا فيها، فقال الشَّافعيُّ: في الشَّجرة الكبيرة بقرة، وفي الصَّغيرة شاة، وكذا جاء عن ابن عباس، وابن الزُّبير، وبه قال أحمد، وقال أبو حنيفة: الواجب في الجميع: القيمة، قال الشَّافعيُّ: ويضمن الخلا بالقيمة.
    ويجوز عند الشَّافعيِّ ومن وافقه رعيُ البهائم في كلأ الحرم، وقال أبو حنيفة، وأحمد، ومحمَّد: لا يجوز، والله أعلم.

    ومنها: أنَّ الاعتصام إنَّما هو بالشَّرع واتباعه، وأنَّ الأماكن الشريفة ونحوها من الأنساب والخلفاء لا يمنع من حقٍّ أوجبه الله -عزَّ وجلَّ-، ولا يعيذ من حدوده وعقابه.

    وقال في شرح حديث ابن عباس (2/ 981):وفي هذا الحديث أحكام: ... ومنها: تحريم مكَّة، وحرمتها بتحريم الله تعالى إلى يوم القيامة.
    ومنها: تحريم القتال فيها.
    ومنها: أنَّ التَّحليل والتَّحريم لا يعلمان إلَّا بالشرع.
    ومنها: تحريم قطع شجر الحرم، وتقدَّم الكلام عليه في الحديث قبله.
    ومنها: تحريم تنفير صيده، وتنحيته من موضعه، فإن نفَّره، عصى، سواء تلف أم لا، لكن إن تلف في نفاره قبل سكونه منه، ضمنه المنفِّر، وإلا، فلا ضمان.
    ومنها: تحريم لقطته إِلَّا بقصد التَّعريف دائمًا، وعدم تملُّكها، وبه قال الشَّافعيُّ، وعبد الرَّحمن بن مهدي، وأبو عبيد، وغيرهم.
    وقال مالك: يجوز تملُّكها بعد تعريفها سنةً، كما في سائر البلاد، وبه قال بعض أصحاب الشَّافعيِّ.
    وتأويلات الحديث ضعيفة لا يستوي ذكرها.
    ومنها: تحريم قطع الرَّطب من الخلا وقلعه منها.
    ومنها: أن الإذخر من الخلا. انتهى باختصار . والله اعلم 


    ([1]) أخرجه البخاري (1832)، ومسلم (1354).

    ([2]) أخرجه البخاري (1349)، ومسلم (1353).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم