• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: حكم قتل الفواسق في الحرم
  • رقم الفتوى: 2760
  • تاريخ الإضافة: 6 ذو الحجة 1440
  • السؤال
    ما حكم قتل الفأرة والغراب والكلب وما شابه في الحرم ؟
  • الاجابة

    يجوز قتل الفواسق الخمس في الحرم وفي غيره؛ لقوله ﷺ: «خمسٌ فواسقُ يقتلن في الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، والحديّا»([1]) . وفي رواية: «الغراب»، من غير ذكر الأبقع.

    والأبقع: الذي في ظهره وبطنه بياض.

    الحُدَيَّا - وفي رواية جاءت الحدأة -، وهي طائر من الجوارح ينقض على الجرذان والدواجن وعلى الأطعمة ويأخذها فيفسد على الناس طعامهم.

    والكلب العقور، قيل هو الكلب المعروف، وقيل هو كل ما يفترس؛ لأن كل ما يفترس من السباع يُسمى كلباً عقوراً في اللغة، والراجح في الكلب العقور أنه كل مفترس.

    وفي رواية:«العقرب»، بدل«الحية».

    وقد اتفق جماهير العلماء على جواز قتل هذه المذكورات في الحل والحرم والإحرام.

    وكذلك اتفقوا على أنَّه للمُحرِم أن يقتل ما في معناهن.

     والصحيح أن المعنى الذي أذن النبي ﷺ بقتل هذه الخمس لأجله هو كونهن مؤذيات؛ فعلى هذا نقول يجوز قتل هذه الخمس المؤذية، وكل مؤذٍ للمُحرِم ولغيره، في الحِلِّ وفي الحَرَم؛ الخمس بالنص، وكل مؤذ قياساً على هذه الخمس التي ذُكرت بالنص. فالخمس هذه أو الست قتلها بالنص، والبقية ملحقة بها بعلة الإيذاء.

    قال ابن عبد البر في الاستذكار (4/ 155): العلماء مجمعون على قتل الحية والعقرب في الحل والحرم للحلال والمحرم، وكذلك الأفعى عندهم جميعهم. انتهى

    وقال البغوي في شرح السنة (7/ 267): اتفق أهل العلم على أنه يجوز للمحرم قتل هذه الأعيان المذكورة في الخبر، ولا شيء عليه في قتلها إلا ما حكي عن النخعي، أنه قال: لا يقتل المحرم الفأرة، ولم يذكر عنه فيه فدية، وهو خلاف النص، وأقاويل أهل العلم، وقاس الشافعي على ما ورد في الخبر كل سبع ضار، أو عاد يعدو على الناس، وعلى دوابهم مثل الذئب، والأسد، والفهد، والنمر، والخنزير، ونحوها، وقاس عليها كل حيوان لا يؤكل لحمه، فقال: لا فدية على من قتلها في الإحرام أو الحرم؛ لأن الحديث يشتمل على أعيان بعضها سباع ضارية، وبعضها هوام قاتلة، وبعضها طير لا تدخل في معنى السباع، ولا هي من جملة الهوام، وإنما هو حيوان مستخبث اللحم، وتحريم الأكل يجمع الكل، فاعتبره، ورتب الحكم عليه إلا المتولد بين المأكول من الصيد، وغير المأكول لا يحل أكله ويجب الجزاء بقتله، لأن فيه جزءا من المأكول.
    وقال مالك: كل ما عقر الناس، وعدا عليهم مثل الأسد، والفهد، والنمر، والذئب، فهو الكلب العقور، فأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع، والثعلب، والهر، وما أشبهها من السباع، فلا يقتلهن المحرم.
    وقال: ما ضر من الطير، فلا يقتله المحرم إلا ما سمى النبي صلى الله عليه وسلم الغراب، والحدأة، وإن قتل شيئاً سواه من النسور، والعقبان، والرخم، فعليه جزاؤه، وقال لا يقتل المحرم الغراب الصغير، وقال سفيان بن عيينة: الكلب العقور كل سبع يعقر، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عتبة بن أبي لهب، فقال: «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك»، فافترسه الأسد.
    وقد روي عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: ما يقتل المحرم؟ فذكر هذه الخمسة، قال: «ويرمي الغراب ولا يقتله»، فيشبه أن يكون أراد به الغراب الصغير الذي يأكل الحب، وكان عطاء يرى فيه الفدية.
    قال الخطابي: ولم يتابعه على قوله أحد.
    وقال أصحاب الرأي: لا جزاء بقتل ما ورد في الحديث، وقاسوا عليه الذئب، وقالوا في غيرها من الفهد، والنمر، والخنزير، وجميع ما لا يؤكل لحمه: عليه الجزاء بقتلها، إلا أن يبتدئه شيء منها، فدفعه عن نفسه، فقتله، فلا شيء عليه.
    وكان عبد الله بن عمر يكره أن ينزع المحرم حلمة، أو قراداً من بعيره، وروي أن عمر كان يقرد بعيراً وهو محرم.
    وقال مالك: قول عبد الله بن عمر أعجب إلي.
    وروى الحر بن الصباح، قال: سمعت ابن عمر، يقول في القملة يقتلها المحرم: يتصدق بكسرة أو قبضة من طعام.
    ولو صال صيد على محرم، فقتله في الدفع لا جزاء عليه، قال الشعبي، وإبراهيم: من حل بك، فاحلل به، يعني: من عرض لك، فحل بك، فكن أنت أيضاً به حلالاً. انتهى 

    وقال النووي في شرح صحيح مسلم (8/ 113) بعد أن ذكر الحديث: وفي رواية: الحدأة. وفي رواية: العقرب، بدل الحية. وفي الرواية الأولى: أربع بحذف الحية والعقرب. فالمنصوص عليه الست. واتفق جماهير العلماء على جواز قتلهن في الحل والحرم والإحرام. واتفقوا على أنه يجوز للمحرم أن يقتل ما في معناهن.

    ثم اختلفوا في المعنى فيهن، وما يكون في معناهن. فقال الشافعي المعنى في جواز قتلهن كونهن مما لا يؤكل، وكل مالا يؤكل ولا هو متولد من مأكول وغيره فقتله جائز للمحرم ولا فدية عليه.

    وقال مالك: المعنى فيهن كونهن مؤذيات، فكل مؤذ يجوز للمحرم قتله، ومالا فلا .

    واختلف العلماء في المراد بالكلب العقور، فقيل هو الكلب المعروف، وقيل كل ما يفترس؛ لأن كل مفترس من السباع يسمى كلباً عقوراً في اللغة.

     وأما تسمية هذه المذكورات فواسق فصحيحة جارية على وفق اللغة، وأصل الفسق في كلام العرب الخروج، وسمي الرجل الفاسق لخروجه عن أمر الله تعالى وطاعته، فسميت هذه فواسق لخروجها بالإيذاء والإفساد عن طريق معظم الدواب، وقيل لخروجها عن حكم الحيوان في تحريم قتله في الحرم والإحرام، وقيل فيها لأقوال أخر ضعيفة لا نعتنيها.

    وأما الغراب الأبقع؛ فهو الذي في ظهره وبطنه بياض.

    وحكى الساجي عن النخعي أنه لا يجوز للمحرم قتل الفارة، وحكيى غيره عن علي ومجاهد أنه لا يقتل الغراب، ولكن يرمى. وليس بصحيح عن علي.

    واتفق العلماء على جواز قتل الكلب العقور للمحرم والحلال في الحل والحرم. واختلفوا في المراد به، فقيل هذا الكلب المعروف خاصة، حكاه القاضي عن الأوزاعي وأبي حنيفة والحسن بن صالح، وألحقوا به الذئب، وحمل زفر معنى الكلب على الذئب وحده، وقال جمهور العلماء: ليس المراد بالكلب العقور تخصيص هذا الكلب المعروف، بل المراد هو كل عاد مفترس غالباً؛ كالسبع والنمر والذئب والفهد ونحوها ، وهذا قول زيد بن أسلم وسفيان الثوري وابن عيينة والشافعي وأحمد وغيرهم، وحكاه القاضي عياض عنهم وعن جمهور العلماء. ومعنى العقور والعاقر: الجارح. انتهى باختصار


    ([1]) أخرجه البخاري (3314)، ومسلم (1198).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم