• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: حكم طواف القارن طوافين عند قدومه
  • رقم الفتوى: 2769
  • تاريخ الإضافة: 5 مٌحَرم 1441
  • السؤال
    نحن نعلم أن من أعمال الحج والعمرة الطواف والسعي لهما، فهل يلزم القارن أن يطوف طوافين، ويسعى سعيين، طواف وسعي للحج وطواف وسعي للعمرة ؟
  • الاجابة

    القارن ليس عليه إلا طواف واحد وسعيٌ واحدٌ، ولا يلزمه أن يطوف طوافين ويسعى سعيين، واحداً للحجّ وواحداً للعمرة، بل طوافٌ واحد وسعيٌ واحد يكفي عن العملين، فأعمال العمرة تدخل في أعمال الحج، فيكون القارن كالمفرد.

    وقد خالف في ذلك الأحناف وغيرهم، وقالوا: يلزمه طوافين وسعيين، طواف للحجّ وطواف للعمرة، وسعي للحجّ وسعي للعمرة، والصحيح ما ذكرنا.

    ودليله: ما روته عائشة رضي الله عنها، قالت: «خرجنا مع رسول الله ﷺ في حجة الوداع فأهللنا بعمرة، فقال رسول الله ﷺ: من كان معه هدي فَلْيُهِلَّ بالحجّ مع العمرة ثم لا يحلّ حتى يحلّ منهما جميعاً » قالت: "فطاف الذين كانوا أهلّوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلّوا ثم طافوا طوافاً آخر بعدما رجعوا من منى بحجّهم »، قالت: «وأمّا الذين كانوا جمعوا بين الحجّ والعمرة طافوا طوافاً واحداً »([1]).

    وعن جابر بن عبد الله قال: « لم يطف النبي ﷺ ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً، طوافه الأول»([2]).

    قال النووي - رحمه الله -: «وهذا محمول على من كان منهم قارناً»([3]).

    فالقارن يطوف طوافاً واحداً ويسعى سعياً واحداً للحجّ والعمرة، فتكون أعماله كأعمال المُفرد، وعلى هذا القول أكثر العلماء.

    واحتج أبو حنيفة برواية ضعيفة عن علي بن أبي طالب، واحتج بالرأي أيضاً.

    قال ابن المنذر في الإشراف (3/ 279): روينا عن ابن عمر أنه قال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: من أهل بالحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد، ثم لا يحل حتى يحل منهما.
    واختلفوا فيما على القارن من الطواف والسعي، فقال ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومجاهد، وطاؤس، ومالك، والشافعي، وعبد الملك، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: يجزيه طواف واحد وسعي واحد.
    وأوجبت طائفة على القارن طوافين وسعيين، يروى هذا القول عن الشعبي، وجابر بن زيد، وعبد الرحمن بن الأسود، وبه قال الثوري، والحسن بن صالح، وأصحاب الرأي.
    قال أبو بكر: بالقول الأول أقول، ولا يثبت عن علي خلاف قول ابن عمر، وإنما روى مالك بن الحارث عن أبي نصر عن علي، وأبو نصر مجهول، مع أن الحديث لو كان ثابتاً كان قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -أولى. انتهى

    قال الترمذي في حديث ابن عمر الذي ذكره ابن المنذر(948): وقد رواه غير واحد عن عبيد الله بن عمر ولم يرفعوه، وهو أصح.

    وقال ابن قدامة في المغني (3/ 409): المشهور عن أحمد، أن القارن بين الحج والعمرة، لا يلزمه من العمل إلا ما يلزم المفرد، وأنه يجزئه طواف واحد، وسعي واحد، لحجه وعمرته. نص عليه في رواية جماعة من أصحابه.
    وهذا قول ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وبه قال عطاء، وطاوس، ومجاهد، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر.
    وعن أحمد رواية ثانية، أن عليه طوافين وسعيين. ويروى ذلك عن الشعبي، وجابر بن زيد، وعبد الرحمن بن الأسود. وبه قال الثوري، والحسن بن صالح، وأصحاب الرأي.
    وقد روي عن علي، ولم يصح عنه. واحتج بعض من اختار ذلك بقول الله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196] . وتمامهما، أن يأتي بأفعالهما على الكمال، ولم يفرق بين القارن وغيره. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من جمع بين الحج والعمرة فعليه طوافان». ولأنهما نسكان، فكان لهما طوافان، كما لو كانا منفردين.

    ولنا ما روي عن عائشة، - رضي الله عنها - أنها قالت: «وأما الذين كانوا جمعوا بين الحج والعمرة، فإنما طافوا لهما طوافاً واحداً» . متفق عليه. وفي مسلم، «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة، لما  قرنت بين الحج والعمرة: يسعك طوافك لحجك وعمرتك». وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أحرم بالحج والعمرة، أجزأه طواف واحد، وسعي واحد عنهما جميعاً» . وعن جابر، «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرن بين الحج والعمرة، فطاف لهما طوافاً واحداً». رواهما الترمذي، وقال في كل واحد منهما: حديث حسن.
    وروى ليث، عن طاوس، وعطاء، ومجاهد، عن جابر، وابن عمر، وابن عباس، «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يطف بالبيت هو وأصحابه لعمرتهم وحجهم إلا طوافاً واحداً» . رواه الأثرم، وابن ماجه. وعن سلمة، قال: حلف طاوس ما طاف أحد من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - للحج والعمرة إلا طوافاً واحداً. ولأنه ناسك يكفيه حلق واحد، ورمي واحد، فكفاه طواف واحد، وسعي واحد، كالمفرد، ولأنهما عبادتان من جنس واحد، فإذا اجتمعتا دخلت أفعال الصغرى في الكبرى، كالطهارتين.
    وأما الآية، فإن الأفعال إذا وقعت لهما فقد تما. وأما الحديث الذي احتجوا به، فلا نعلم صحته، ورواه الدارقطني من طرق ضعيفة، في بعضها الحسن بن عمارة، وفي بعضها عمر بن يزيد، وفي بعضها حفص بن أبي داود، وكلهم ضعفاء، وكفى به ضعفاً معارضته لما روينا من الأحاديث الصحيحة.
    وإن صح، فيحتمل أنه أراد: عليه طواف وسعي. فسماهما طوافين، فإن السعي يسمى طوافاً؛ قال الله تعالى: {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} [البقرة: 158] . ويحتمل أنه أراد: عليه طوافان؛ طواف الزيارة، وطواف الوداع. انتهى


    ([1]) أخرجه البخاري (1556)، ومسلم (1211).

    ([2]) أخرجه مسلم (1215).

    ([3]) « المجموع » (8/ 61).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم