• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: المبيت في منى ليالي التشريق
  • رقم الفتوى: 2790
  • تاريخ الإضافة: 19 مٌحَرم 1441
  • السؤال
    ما حكم المبيت بمنى ليالي التشريق ؟
  • الاجابة

    بعد أن يكمل الحاج أعمال يوم النحر، يرجع حتى يبيت بمنى ليالي التشريق.

    الليلة الأولى من ليالي التشريق هي التي بعد نهار العيد، إذا غربت الشمس. فيبيت الحاجّ ثلاث ليالٍ، ويرمي في كل يوم من أيام منى الجمرات الثلاث، يبدأ وقت الرمي من بعد زوال الشمس إلى غروب الشمس، هذا الأفضل ويجوز في الليل أيضاً، يبدأ بالصغرى التي هي مما يلي منى، ثم الوسطى ثم الكبرى التي هي جمرة العقبة، ويرمي كل واحدة بسبع حصيات كما رمى أول مرة جمرة العقبة، ولكنه يقف ويدعو بعد الأولى والثانية، ولا يقف بعد الثالثة.

     والمبيت بمنى واجب في الليالي الثلاث، أو ليلتي الحادي عشر والثاني عشر لمن أراد أن يتعجل؛ لحديث ابن عمر «أن العباس بن عبد المطلب، استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يبيت بمكة ليالي منى، من أجل سقايته، فأذن له». فترخيصه لهؤلاء دليل على الوجوب في حق غيرهم.

    فلك الخيار إما أن تبيت ثلاث ليالٍ في منى أو أن تبقى ليلتين – الحادية عشرة والثانية عشرة - فقط وتتعجل وتترك الأخيرة لقوله تعالى: { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه لمن اتقى }، فتخرج قبل غروب شمس اليوم الثاني، ومن بقي إلى ما بعد غروب شمس اليوم الثاني، فلا يجوز له أن يتعجل.

     ويسقط هذا المبيت بمنى عن ذوي الأعذار كرعاة الإبل والسقاة ومن شابههم كالحرس وغيرهم، فلا يلزمهم بتركه شيء لا دم ولا غيره؛ لحديث ابن عمر المتقدم. 

    ويحصل المبيت بالبقاء في منى أكثر الليل، يعني إذا كان الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر عشر ساعات، فيجب أن يبيت فيها أكثر من خمس ساعات على الأقل، ولا يؤثر إذا خرج منها نهاراً أو ليلاً بعد ذلك، ولا يلزم النوم. 

    ومن ترك المبيت في الليالي كلها فعليه دم، ومن ترك ليلة أو ليلتين فلا شيء عليه وقد أساء. والله أعلم 

    قال البغوي في شرح السنة (7/ 226): على الحاج أن يبيت بمنى الليلة الأولى، والثانية من ليالي أيام التشريق، ويرمي كل يوم بعد الزوال إحدى وعشرين حصاة عند كل جمرة بسبع حصيات على الترتيب، آخرها جمرة العقبة، فمن رمى اليوم الثاني، وأراد أن ينفر قبل غروب الشمس، ويترك البيتوتة الليلة الثالثة، ورمى يومها، فذلك له واسع، لقوله سبحانه وتعالى: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} [البقرة: 203]، ومن لم ينفر حتى غربت الشمس، فعليه أن يبيت، ويرمي اليوم الثالث بعد الزوال إحدى وعشرين حصاة إلى كل جمرة سبع حصيات.

    روى مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، قال: من غربت له الشمس وهو بمنى من أوسط أيام التشريق، فلا ينفرن حتى يرمي الجمار من الغد.
    وقال إبراهيم: إذا لم تنفر حتى صليت العصر من اليوم الثاني، فلا تنفر حتى ترمي الجمرات.
    قال البغوي: ومن ترك المبيت هذه الليالي ممن لم يرخص له فيه، فعليه دم، ومن ترك مبيت ليلة، فعليه ثلث دم، وفي ليلتين ثلثا دم على أقيس قولي الشافعي، والقول الثاني في ليلة مد، وفي ليلتين مدان، وفي ثلاث دم، وقيل: في ليلة درهم، وفي ليلتين درهمان، وفي ثلاث دم، وهو قول عطاء.
    وقال مالك: من ترك مبيت ليلة واحدة، فعليه دم، وقال أصحاب الرأي: من ترك المبيت، فقد أساء، ولا دم عليه، ومن ترك رمي يوم النحر حتى غربت الشمس، أو ثلاث حصيات منها، فعليه دم، وقد فات الرمي، وقيل: له أن يقضي في أيام التشريق.
    ولو ترك رمي يوم من أيام التشريق، قضاه في اليوم الثاني والثالث، أي وقت شاء من ليل أو نهار، فإن لم يقض حتى مضت أيام التشريق، فلا قضاء عليه، وعليه لرمي كل يوم دم، وقيل: لا يجب للكل إلا دم واحد.
    ومن ترك ثلاث حصيات، فعليه دم، وفي حصاة أو حصاتين أقاويل، كما وصفناها في ترك المبيت.
    وأيام التشريق سميت به، لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي، أي: يقطعونها ويقددونها. انتهى 

    وقال ابن رشد في بداية المجتهد (2/ 118): والسنة عندهم في رمي الجمرات كل يوم من أيام التشريق أن يرمي الجمرة الأولى فيقف عندها ويدعو، وكذلك الثانية ويطيل المقام. ثم يرمي الثالثة، ولا يقف؛ لما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أنه كان يفعل ذلك في رميه ".
    والتكبير عندهم عند رمي كل جمرة حسن؛ لأنه يروى عنه - عليه الصلاة والسلام -.
    وأجمعوا على أن من سنة رمي الجمار الثلاث في أيام التشريق أن يكون ذلك بعد الزوال، واختلفوا إذا رماها قبل الزوال في أيام التشريق، فقال جمهور العلماء: من رماها قبل الزوال أعاد رميها بعد الزوال. وروي عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال: رمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها.
    وأجمعوا على أن من لم يرم الجمار أيام التشريق حتى تغيب الشمس من آخرها أنه لا يرميها بعد. انتهى

    وقال ابن قدامة في المغني (3/ 397):  السنة لمن أفاض يوم النحر أن يرجع إلى منى؛ لما روى ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفاض يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى . متفق عليه. وقالت عائشة - رضي الله عنها -: " أفاض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق" . رواه أبو داود. وظاهر كلام الخرقي أن المبيت بمنى ليالي منى واجب. وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وقال ابن عباس: لا يبيتن أحد من وراء العقبة من منى ليلاً. وهو قول عروة، وإبراهيم، ومجاهد، وعطاء.
    وروي ذلك عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. وهو قول مالك، والشافعي. والثانية: ليس بواجب. روي ذلك عن الحسن. وروي عن ابن عباس: إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت. ولأنه قد حل من حجه، فلم يجب عليه المبيت بموضع معين، كليلة الحصبة. ووجه الرواية الأولى أن ابن عمر روى: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى، من أجل سقايته. متفق عليه. وتخصيص العباس بالرخصة لعذره دليل على أنه لا رخصة لغيره. وعن ابن عباس، قال: لم يرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - لأحد يبيت بمكة، إلا للعباس، من أجل سقايته. رواه ابن ماجه. وروى الأثرم، عن ابن عمر، قال: لا يبيتن أحد من الحاج إلا بمنى. وكان يبعث رجالاً لا يدعون أحداً يبيت وراء العقبة. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله نسكاً، وقد قال: "خذوا عني مناسككم" . انتهى

    سئل ابن عثيمين: بالنسبة للمبيت بمنى هل يلزم المبيت إلى الفجر؟
    فأجاب فضيلته بقوله: لا بد أن يبيت فيها معظم الليل، يعني ثلثي الليل، إما من أول الليل، أو من آخره.

    وسئل: هل الخروج في أيام التشريق إلى ما قرب من مكة كجدة مثلاً غير مخلٍّ بالحج؟
    فأجاب فضيلته بقوله: لا يخل بالحج، ولكن الأفضل أن يبقى الإنسان ليلاً ونهاراً بمنى كما بقي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها ليلاً ونهاراً.
    وسئل: هل يلزم من المبيت في منى ليالي التشريق النوم؟
    فأجاب فضيلته بقوله: لا يلزم، البقاء يكفي، وأيضاً يكفي البقاء معظم الليل، ولا يلزم كل الليل، فلو فرضنا أن الليل عشر ساعات وبقي ست ساعات كفى، لكن الأفضل أن يبقى جميع الوقت. انتهى مجموع الفتاوى (23/ 243)

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم