• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: حكم رفع اليدين مع التكبير في الصلاة
  • رقم الفتوى: 3116
  • تاريخ الإضافة: 22 صَفَر 1441
  • السؤال
    ما حكم رفع اليدين مع التكبير؟ وأين محله ؟
  • الاجابة

    رفع اليدين في الصلاة سنة مستحبة.

    يرفعهما حذو منكبيه، "أي: موازيهما. والمنكبان: هما الكتفان، فيكون منتهى الرفع إلى الكتفين، وله أن يرفعهما إلى فروع أذنيه؛ لورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فتكون صفة الرفع من العبادات الواردة على وجوه متنوعة". قاله ابن عثيمين في الشرح الممتع (3/ 28-29 ).

    وترفع في أربعة مواضع، هي: 1- عند تكبيرة الإحرام، 2- عند الركوع، 3- عند الاعتدال من الركوع، 4-  إذا قام من الركعة الثانية.

    أما المواضع الثلاثة الأوَل، فقد وردت في حديث ابن عمر في «الصحيحين»، قال: رأيت رسول الله ﷺ إذا قام في الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع، ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع، ويقول: سمع الله لمن حمده، ولا يفعل ذلك في السجود ([1]).

    وأما الرفع في الموضع الرابع، ففي رواية لحديث ابن عمر المتقدم عند البخاري، قال: وإذا قام من الركعتين رفع يديه ([2]).

    هذه هي المواضع التي صحّ الرفع فيها، ولم يصحّ في غيرها.

    وأما حديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في كل خفض ورفع؛ فقد بين ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (1/ 215) أن هذا وهم، وأن صواب الحديث: «كان يكبر في كل خفض ورفع».

    وأما محل الرفع فقال ابن عثيمين في الشرح الممتع (3/ 31): وقوله: «رافعاً يديه». الأحاديث الواردة في ابتداء رفع اليدين وردت أيضاً على وجوه متعددة؛ فبعضها يدل على أنه يرفع ثم يكبر، وبعضها على أنه يكبر ثم يرفع، وبعضها على أنه يرفع حين يكبر، يعني يكون ابتداء التكبير مع ابتداء الرفع، وانتهاؤه مع انتهاء الرفع، ثم يضع يديه. ونحن نقول: إن الأمر أيضاً في هذا واسع، يعني سواء رفعت ثم كبرت، أو كبرت ثم رفعت، أو رفعت مع التكبير، فإن فعلت أي صفة من هذه الصفات فأنت مصيب للسنة. انتهى والله أعلم هذه خلاصة الفتوى.

    قال الإمام البخاري رحمه الله في جزء رفع اليدين (ص54): " من زعم أن رفع الأيدي بدعة فقد طعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف ومن بعدهم، وأهل الحجاز، وأهل المدينة، وأهل مكة، وعدة من أهل العراق، وأهل الشام، وأهل اليمن، وعلماء أهل خراسان منهم ابن المبارك حتى شيوخنا عيسى بن موسى أبو أحمد، وكعب بن سعيد، والحسن بن جعفر، ومحمد بن سلام، إلا أهل الرأي منهم، وعلي بن الحسن، وعبد الله بن عثمان، ويحيى بن يحيى، وصدقة، وإسحاق، وعامة أصحاب ابن المبارك.

    وكان الثوري، ووكيع، وبعض الكوفيين لا يرفعون أيديهم
    وقد رووا في ذلك أحاديث كثيرة، ولم يعنفوا على من رفع يديه، ولولا أنها حق ما رووا تلك الأحاديث؛ لأنه ليس لأحد أن يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، وما لم يفعل؛ 
    لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار».
    ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يرفع يديه، وليس أسانيده أصح من رفع الأيدي. انتهى 

    وقال ابن المنذر في الأوسط (3/ 300) بعد أن ذكر حديث ابن عمر وروى بإسناده عن "علي بن أبي طالب، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حذو منكبيه، ويصنعه إذا قضى قراءته، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد، وإذا قام من سجدتين كبر ورفع يديه كذلك».
    قال: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإن من السنة أن يرفع المرء يديه إذا افتتح الصلاة.

     واختلفوا في رفع اليدين عند الركوع، وعند رفع الرأس من الركوع.

    فقالت طائفة: يرفع المصلي يديه إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وروي هذا القول عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن التابعين، ومن بعدهم، روينا ذلك عن ابن عباس، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري، وابن الزبير، وأنس بن مالك، وقال الحسن: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم إذا كبروا، وإذا ركعوا، وإذا رفعوا رءوسهم من الركوع، كأنها المراوح".

    ثم ذكر الآثار بأسانيده، ونقل هذا القول عن جمع كبير من السلف، ونقل الخلاف فيه عن الثوري وأصحاب الرأي.

     ثم قال: "وقالت طائفة: يرفع المصلي يديه حين يفتتح الصلاة ولا يرفع فيما سوى ذلك، هذا قول سفيان الثوري، وأصحاب الرأي". ثم ذكر حجتهم، وقال: "فأما حديث علي الذي احتجوا به، فقد ثبت عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وأما ابن عمر فالمشهور عنه بالأسانيد الجياد من وجوه شتى رفع يديه في الصلاة في ثلاث مواضع كفعل أصحابه، روى عنه ذلك سالم، ونافع، وهما كانا يفعلان ذلك، وهما أعلم به من غيرهما.
    وفي ثبوت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قد ذكرناه عنه في أول الباب مستغنى عن قول من سواه، فإن اعتل معتل بخبر روي عن ابن مسعود أنه كان يرفع إذا افتتح الصلاة، فلو ثبت هذا عن ابن مسعود، لم يكن حجة على الأخبار التي ذكرناها، لأن عبد الله إذا ما حفظ، وحفظ علي بن أبي طالب وابن عمر، وغيرهما، وأبو حميد في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الزيادة التي ذكرناها عنهم، فغير جائز ترك الزيادة التي حفظها هؤلاء من أجل أن ابن مسعود لم يحفظها، خفيت تلك الزيادة عليه كما خفي عليه السنة في وضع اليدين على الركبتين، كان يطبق يديه بين فخذيه، وتبعه عليه جماعة أصحابه، والسنة التي نقل الناس إليها وضع اليدين على الركبتين. فلما جاز أن تخفى مثل هذه السنة التي عليها المسلمون اليوم جميعاً، لا نعلمهم اليوم يختلفون فيه على ابن مسعود، فيجوز أن يخفى عليه ما حفظه أولئك.

    وأقل ما يجب على من نصح نفسه أن ينزل هذا الباب منزلة اختلاف أسامة وبلال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، أثبت بلال صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة، ونفى ذلك أسامة، وحكم الناس لبلال لأنه شاهد، ولم يحكموا لأسامة لأنه نفى شيئاً حفظه غيره.

    كذلك يجب أن يكون حال حديث ابن مسعود في اقتصاره على ما حفظه، وحال من حفظ ما لم يحفظه ابن مسعود، إن ثبتت الزيادة التي زادوها، لأنهم حفظوا ما لم يحفظ عبد الله بن مسعود، وهذا الذي قلناه بين واضح لمن وفقه الله للقول بالصواب واتباع السنن. انتهى

    وقال (3/ 369): "ذكر رفع اليدين عند القيام من الجلسة في الركعتين الأوليين في التشهد
    قد ذكرنا حديث علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما مضى، أنه كان إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه، كذلك وذكرنا ذلك عن أبي حميد الساعدي(3)، وهذا باب أغفله كثير من أصحابنا(4)، واعتل بعضهم بمثل العلة التي أنكروها على الكوفيين، فقال لي بعضهم: ليس ذكر ذلك في حديث ابن عمر(5)، كقول الكوفي: ليس ذكر رفع اليدين عند الركوع، وعند رفع الرأس من الركوع، في حديث ابن مسعود.
    فمن حجة بعض من يقول في هذا الباب بحديث علي بن أبي طالب وأبي حميد الساعدي في هذا الحرف على أهل الكوفة أن قال: يقال لمن قال بحديث عبد الله بن مسعود: حفظ عبد الله شيئاً وحفظ ذلك معه ابن عمر وغيره، وحفظ ابن عمر ما لم يحفظه عبد الله، فوجب القول بحديث ابن عمر، لأنه حفظ ما لم يحفظه عبد الله، فيقال له مثل ما قال الكوفي، وحفظ علي بن أبي طالب وأبو حميد في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يحفظه ابن عمر، فوجب القول بحديث علي وأبو حميد ومن معه؛ لأنهم حفظوا ما لم يحفظه ابن عمر، وكل ما ألزموه أهل الكوفة من قصة بلال وأسامة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، وغير ذلك مما أدخلوه عليهم، فهو داخل على من تخلف عن قبول الزيادة التي حفظها علي وأبو حميد ومن معهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً". انتهى

    وقال النووي في المجموع (3/ 448): وفيه رفع اليدين إذا قام من الركعتين، قال: ومذهب الشافعي متابعة السنة إذا ثبتت، وقد قال في حديث أبي حميد: وبهذا أقول، وقال صاحب التهذيب: لم يذكر الشافعي رفع اليدين إذا قام من الركعتين، ومذهبه اتباع السنة، وقد ثبت ذلك. وقد روى جماعة من الصحابة رفع اليدين في هذه المواضع الأربعة، منهم: علي، وابن عمر، وأبو هريرة، وأبو حميد بحضرة أصحابه وصدقوه كلهم على ذلك. هذا الكلام البغوي.

    وأما قول الشيخ أبي حامد في التعليق: انعقد الإجماع على أنه لا يرفع في هذه المواضع. فاستدلاله بالإجماع على نسخ الحديث مردود عليه غير مقبول، ولم ينعقد الإجماع على ذلك، بل قد ثبت الرفع في القيام من الركعتين عن خلائق من السلف والخلف، فمن ذلك ما قدمناه عن علي وابن عمر وأبي حميد مع أصحابه العشرة، وهو قول البخاري. قال الخطابي: وبه قال جماعة من أهل الحديث، فحصل من مجموع ما ذكرته أنه يتعين القول باستحباب رفع اليدين إذا قام من الركعتين، وأنه مذهب الشافعي؛ لثبوت هذه الأحاديث وكثرة رواتها من كبار الصحابة، والشافعي قائل به للوجهين اللذين ذكرهما البيهقي. والله أعلم

    وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع (3/ 26): جاءت به السنة في عدة أحاديث؛ كحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه؛ إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع». وصح عنه أيضاً أنه يرفع يديه إذا قام من الجلسة للتشهد الأول، فهذه أربعة مواضع ترفع فيها اليدان جاءت بها السنة، ولا ترفع في غير هذه المواضع. انتهى 

    وراجع جزء رفع اليدين للبخاري رحمه الله، والمجموع للنووي (3/ 399- دار الفكر).  


    ([1]) أخرجه البخاري (736)، ومسلم (390) عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما.

    ([2]) أخرجه البخاري (739) عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه. 

    ([3]) أخرجه البخاري في صحيحه (828)، وليس فيه محل الشاهد، وأخرجه أحمد (23599) وأبو داود(730) وغيرهما، وفيه: "ثُمَّ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كَمَا كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ".

    ([4]) يعني أهل الحديث، فأحياناً يقول هذا ويسمي بعضهم كمالك والشافعي.

    ([5]) وهو مذكور في رواية عند البخاري(739) من رواية نافع عنه كما علمت، فالظاهر أنها ليست من مسموعات ابن المنذر ومَن أنكر الرفع في هذا الموصع، أو أنهما لم يرياها محفوظة، وبثبوتها يتبين أن ابن عمر أيضاً حفظها ورواها إلا أن بعض الرواة لم يحفظها وحفظها غيره. وعلى كل حال إذا لم تكن محفوظة فالقول ما قاله ابن المنذر في رد الشبهة حولها، وإذا كانت محفوظة -وهي كذلك إن شاء الله- أغنت عن كل قول. انظر لها فتح الباري (2/ 222). والله أعلم 

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم