• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: الحركة المبطلة للصلاة
  • رقم الفتوى: 3301
  • تاريخ الإضافة: 11 ربيع الأول 1441
  • السؤال
    ما هو ضابط الحركة المبطلة للصلاة ؟
  • الاجابة

    الثابت عن النبي ﷺ أنه كان يتحرك حركة قليلة في الصلاة؛ كالتقدم بعض الخطوات لفتح الباب، أو حمل طفل ووضعه(1).. وما شابه، فهذا العمل لا يبطل الصلاة، وأما الحركة الكثيرة المتوالية- أي غير  مقطعة مستمرة - فتبطلها؛ لأنها فعل ينافي الصلاة.

    والضابط في ذلك أن تكون الحركة 1- كثيرة 2- متوالية 3- لغير ضرورة؛ كمن يشتغل مثلاً بخياطة أو نجارة أو شيء كثير، أو يشتغل بجهازه الخلوي (الهاتف) ويعبث به حتى يَخْرُجَ به ذلك عن هيئة الصلاة، فمن نظر إليه ظنه يشتغل بما هو فيه ولا يظن أنه يصلي، فعرف الناس هو الحد الذي يُحدد به القليل والكثير، ولا يحدد بعدد معين. والله أعلم.

    قال ابن قدامة في المغني (2/ 11): ولا بأس بالعمل اليسير في الصلاة للحاجة لما روى أبو داود عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي والباب عليه مغلق فجئت فاستفتحت، فمشى، ففتح لي، ثم رجع إلى مصلاه» وعن جابر - رضي الله عنه - أنه قال «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثني بحاجة فأدركته وهو يشير فسلمت عليه فأشار إلي فلما فرغ دعاني فقال إنك سلمت علي آنفا وأنا أصلي» ولا تبطل الصلاة بجميع ذلك إلا أن يتوالى ويكثر كالذي قبله. والله أعلم. انتهى 

    وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع (3/ 258): 

    والحركة التي ليست من جنس الصلاة تنقسم إلى خمسة أقسام:

    1 ـ واجبة.

    2 ـ مندوبة.

    3 ـ مباحة.

    4 ـ مكروهة.

    5 ـ محرمة.

    والذي يبطل الصلاة منها هو المحرم.

    فالحركة الواجبة: هي التي يتوقف عليها صحة الصلاة، هذا هو الضابط لها، وصورها كثيرة منها: لو أن رجلاً ابتدأ الصلاة إلى غير القبلة بعد أن اجتهد، ثم جاءه شخص وقال له: القبلة على يمينك، فهنا الحركة واجبة، فيجب أن يتحرك إلى جهة اليمين، ولهذا لما جاء رجل إلى أهل قباء وهم يصلون إلى بيت المقدس، وأخبرهم بأن القبلة حولت إلى الكعبة، تحولوا في نفس الصلاة وبنوا على صلاتهم.

    ولو ذكر أن في غترته نجاسة وهو يصلي وجب عليه خلعها؛ لإزالة النجاسة، ويمضي في صلاته.

    وإن كانت في ثوبه، وأمكن نزعه بدون كشف العورة؛ نزعه ومضى في صلاته، وإن كان لا يمكنه نزعه إلا بكشف العورة؛ قطع صلاته، وغسل ثوبه، أو أبدله بغيره، ثم استأنف الصلاة.

    ولو ذكر أنه على غير وضوء؛ فالصلاة لم تنعقد؛ فيجب أن يذهب ويتوضأ، ويستأنفها من جديد.

    ولو صلى إلى يسار الإمام ـ وهو واحد ـ فانتقاله إلى اليمين واجب على قول من يرى أن الصلاة لا تصح عن يسار الإمام مع خلو يمينه، والمسألة خلافية، وستأتي إن شاء الله.

    والحركة المندوبة «المستحبة»: هي التي يتوقف عليها كمال الصلاة. ولها صور عديدة منها:

    لو أنه لم يستر أحد عاتقيه؛ فهنا الحركة لستر أحد العاتقين مستحبة، لأن الصحيح أنه ليس بواجب.

    ولو تبين له أنه متقدم على جيرانه في الصف فتأخره سنة.

    ولو تقلص الصف حتى صار بينه وبين جاره فرجة، فالحركة هنا سنة.

    ولو صف إلى جنبيه رجلان، فتقدم الإمام هنا سنة.

    والحركة المباحة: هي الحركة اليسيرة للحاجة، أو الكثيرة للضرورة.

    مثال الحركة اليسيرة: رجل يصلي في الظل فأحس ببرودة فتقدم، أو تأخر، أو تيامن، أو تياسر من أجل الشمس، فهذه مباحة، وقد نقول: إنها سنة، فإن قال: إني إذا كنت في الشمس تم خشوعي، وإذا كنت في الظلال تعبت من البرد؛ فهنا الحركة سنة، لكن إذا كان لمجرد الدفء فقط فهي من المباحة.

    والحركة المكروهة: هي اليسيرة لغير حاجة، ولا يتوقف عليها كمال الصلاة، كما يوجد في كثير من الناس الآن؛ كالنظر إلى الساعة، وأخذ القلم، وزر الأزرار، ومسح المرآة، وغير ذلك.

    والحركة المحرمة: هي الكثيرة المتوالية لغير ضرورة. انتهى

    وقال (3/ 371): أما زيادة الأفعال فإن كانت من غير جنس الصلاة فقد سبق أن أقسامها خمسة، وهي الحركة في الصلاة.
    وإن كانت من جنس الصلاة:
    فإن كانت تغير هيئة الصلاة، وهي: الركوع والسجود والقيام والقعود، فإن كان متعمداً بطلت، وإلا؛ لم تبطل، وسجد للسهو.
    وإن كانت لا تغير هيئة الصلاة، كما لو رفع يديه إلى حذو منكبيه في غير موضع الرفع، فإن الصلاة لا تبطل به؛ لأن ذلك لا يغير هيئة الصلاة ولكن يشرع له السجود على القول الراجح. انتهى  

    ذكر ابن المنذر خلاف السلف في أنواع من الحركة في الصلاة كالتروح في الصلاة(أي تحريك المروحة باليد للتبرد من الحر)، وحمل الصبي، ومسح الجبهة، وقتل القمل والبراغيث؛ في الأوسط (3/ 462 فما بعده- طبعة دار الفلاح).

    وقال الشيرازي من الشافعية في المهذب: "وإن عمل عملاً ليس من جنسها، فإن كان قليلاً، مثل إن دفع ماراً بين يديه، أو ضرب حية أو عقرباً، أو خلع نعليه، أو أصلح رداءه، أو حمل شيئاً، أو سلم عليه رجل فرد عليه بالإشارة، وما أشبه ذلك؛ لم تبطل صلاته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفع المار بين يديه، وأمر بقتل الأسودين الحية والعقرب في الصلاة، وخلع نعليه، وحمل أمامة بنت أبي العاص في الصلاة، فكان إذا سجد وضعفها فإذا قام رفعها، وسلم عليه الأنصار فرد عليهم في الصلاة، ولأن المصلي لا يخلو من عمل قليل فلم تبطل صلاته بذلك.

     وإن كان عملاً كثيراً بأن مشى خطوات متتابعات، أو ضرب ضربات متواليات؛ بطلت صلاته؛ لأنه لا تدعو إليه الحاجة في الغالب، وإن مشى خطوتين أو ضرب ضربتين ففيه وجهان..." انتهى 

    قال النووي في شرحه على المهذب، المجموع(4/ 93): " أما حكم المسألة فمختصر ما قاله أصحابنا: أن الفعل الذي ليس من جنس الصلاة، إن كان كثيراً أبطلها بلا خلاف، وإن كان قليلاً لم يبطلها بلا خلاف، هذا هو الضابط، ثم اختلفوا في ضبط القليل والكثير على أربعة أوجه.." إلى أن قال: (والرابع) وهو الصحيح المشهور، وبه قطع المصنف والجمهور: أن الرجوع فيه إلى العادة، فلا يضر ما يعده الناس قليلاً؛ كالإشارة برد السلام، وخلع النعل، ورفع العمامة ووضعها، ولبس ثوب خفيف ونزعه، وحمل صغير ووضعه، ودفع مار، ودلك البصاق في ثوبه، وأشباه هذا. وأما ما عده الناس كثيراً؛ كخطوات كثيرة متوالية، وفعلات متتابعة؛ فتبطل الصلاة..." وقال: "ثم اتفق الأصحاب على أن الكثير إنما يبطل إذا توالى، فإن تفرق بين خطي خطوة ثم سكت زمناً، ثم خطى أخرى أو خطوتين، ثم خطوتين بينهما زمن- إذا قلنا لا يضر الخطوتان- وتكرر ذلك مرات كثيرة حتى بلغ مائة خطوة فأكثر؛ لم يضر بلا خلاف، وكذلك حكم الضربات المتفرقة وغيرها، قال أصحابنا: وحد التفريق أن يعد الثاني منقطعاً عن الأول...." انتهى المراد. والله أعلم 


    (1) ثبت عنه ﷺ أنه كان يصلي وهو يحمل أمامة بنت زينب . أخرجه البخاري(516)، ومسلم (543).

    كذلك ثبت عنه ﷺ أنه في صلاة الكسوف لما عرضت عليه الجنة تقدم خطوات، ولما عرضت عليه جهنم تأخر خطوات، أخرجه البخاري (748)، ومسلم(907).

    وأخرج أحمد (24027)، وأبو داود (922)، والترمذي (601)، والنسائي (1206) عن عائشة، قالت: «جئت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في البيت، والباب عليه مغلق، فمشى حتى فتح لي، ثم رجع إلى مكانه»، ووصفت الباب في القبلة. 

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم