• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: رفع البصر إلى السماء في الصلاة
  • رقم الفتوى: 3439
  • تاريخ الإضافة: 29 ربيع الأول 1441
  • السؤال
    ما حكم النظر إلى السماء في الصلاة ؟
  • الاجابة

    النظر إلى السماء في الصلاة محرم، وهو يدعو فيها أو في ركوعه أو سجوده أو غير ذلك بما أنه في الصلاة فيحرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لتخطفنّ أبصارهم»([1]) وهذا وعيد شديد يقتضي التحريم، نقل بعض أهل العلم اتفاق العلماء على كراهة رفع البصر في الصلاة(2)، واختلفوا هل هي كراهة تحريم أم تنزيه، ونقل ابن حزم التحريم عن بعض السلف (3)، ولا تبطل صلاته عند أهل العلم، ولا أعلم أحداً سبق ابن حزم إلى القول ببطلان الصلاة بذلك. ولا مانع من رفع البصر إلى السماء في الدعاء خارج الصلاة(4). والله أعلم.

    قال ابن تيمية: واتفق العلماء على أن رفع المصلي بصره إلى السماء منهي عنه. انتهى مجموع الفتاوى (6/ 577).

    وقال: فلما كان رفع البصر إلى السماء ينافي الخشوع حرمه النبي صلى الله عليه وسلم وتوعد عليه. انتهى مجموع الفتاوى (22/ 559).

    وقال ابن رجب في فتح الباري (6/ 442): وفي الحديث: دليل على كراهة رفع بصره إلى السماء في صلاته.
    وقد روي هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من رواية عدة من الصحابة.
    وروي النهي عن حذيفة وابن مسعود.
    وقال سفيان: بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع بصره إلى السماء في الصلاة، حتى نزلت {الذين هم في صلاتهم خاشعون} [المؤمنون:2] فرمى ببصره نحو مسجده.
    والمعنى في كراهة ذلك: خشوع المصلي وخفض بصره، ونظره إلى محل سجوده؛ فإنه واقف بين يدي الله - عز وجل - يناجيه، فينبغي أن يكون خاشعاً منكساً رأسه، مطرقاً إلى الأرض.
    وقد تقدم في تفسير الخشوع أن خشوع البصر: غضه.
    وإنما يكره رفع البصر إلى السماء عبثاً، فأما لحاجة فيجوز.
    وقد أشارت عائشة لأختها أسماء إلى السماء في صلاة الكسوف.
    وقد نص أحمد على أن من تجشأ في صلاته فإنه يرفع رأسه إلى السماء؛ لئلا يتأذى من إلى جانبه برائحة جشائه.
    ولكن؛ قد يقال - مع رفع رأسه -: إنه يغض بصره.
    وقد سبق عن عمر وابن سابط: رفع الوجه إلى السماء عند تكبيرة الإحرام. وزاد ابن سابط: وإذا رفع رأسه. انتهى

    وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع (3/ 40) عند شرح موضع نظر المصلي: وأما النظر إلى السماء فإنه محرم، بل من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، واشتد قوله فيه حتى قال: «لينتهين ـ يعني الذين يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة ـ أو لتخطفن أبصارهم»، وفي لفظ: «أو لا ترجع إليهم». وهذا وعيد، والوعيد لا يكون إلا على شيء من كبائر الذنوب، بل قال بعض العلماء: إن الإنسان إذا رفع بصره إلى السماء وهو يصلي بطلت صلاته، واستدلوا لذلك بدليلين: 

    الأول: أنه انصرف بوجهه عن جهة القبلة، لأن الكعبة في الأرض، وليست في السماء.

    الثاني: أنه فعل محرماً منهيا عنه في الصلاة بخصوصها، وفعل المحرم المنهي عنه في العبادة بخصوصها يقتضي بطلانها.

    ولكن؛ جمهور أهل العلم على أن صلاته لا تبطل برفع بصره إلى السماء، لكنه على القول الراجح آثم بلا شك؛ لأن الوعيد لا يأتي على فعل مكروه فقط...انتهى 

    وقال (3/ 228): يكره رفع بصره إلى السماء وهو يصلي، سواء في حال القراءة أو في حال الركوع، أو في حال الرفع من الركوع، أو في أي حال من الأحوال؛ بدليل وتعليل:
    أما الدليل، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء في الصلاة؛ أو لتخطفن أبصارهم» أي: إما أن ينتهوا، وإما أن يعاقبوا بهذه العقوبة، وهي: أن تخطف أبصارهم فلا ترجع إليهم، واشتد قوله صلى الله عليه وسلم في ذلك، والحقيقة أن الدليل أقوى من المدلول؛ لأن الدليل يقتضي أن يكون رفع البصر إلى السماء محرماً، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر منه، واشتد قوله فيه، ثم ذكر عقوبة محتملة، وهي أن تخطف أبصارهم، ولا ترجع إليهم. ومن المعلوم أن التحذير عن الشيء بذكر عقوبة يدل على أنه حرام، كما قلنا في قوله صلى الله عليه وسلم: «أما يخشى الذي يرفع رأسه 
    قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار»، إن هذا دليل على تحريم مسابقة الإمام، وقلنا في قوله عليه الصلاة والسلام: «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم»، إن فيه دليلاً على القول الراجح، وهو وجوب تسوية الصف.

    وهذا الحديث في رفع البصر إلى السماء لا يقصر دلالة عن دلالة قوله صلى الله عليه وسلم: «أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار»، بل قد يكون أشد وأبلغ أن يرجع بصر الإنسان إلى عمى قبل أن يرتد إليه.

    وأما التعليل: فلأن فيه سوء أدب مع الله تعالى؛ لأن المصلي بين يدي الله، فينبغي أن يتأدب معه، وأن لا يرفع رأسه، بل يكون خاضعاً، ولهذا قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: إنه كان قبل أن يسلم يكره النبي صلى الله عليه وسلم كراهة شديدة، حتى كان يحب أن يتمكن منه فيقتله، فلما أسلم قال: ما كنت أطيق أن أملأ عيني منه؛ إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت.
    ولهذا كان القول الراجح في رفع البصر إلى السماء في الصلاة أنه حرام ؛ وليس بمكروه فقط، ولكن إذا قلنا بأنه حرام؛ ثم رفع بصره إلى السماء؛ فهل تبطل صلاته؟ 

    الجواب: اختلف في ذلك أهل العلم، فقال بعضهم: إنها تبطل الصلاة، وعللوا ذلك بتعليلين:

    التعليل الأول: أنه فعل منهي عنه في العبادة، والإنسان إذا فعل فعلا منهيا عنه في العبادة أبطلها؛ كالكلام في الصلاة، والأكل والشرب في الصوم؛ لأنه ينافيها.

    التعليل الثاني: أن فيه انحرافا عن القبلة؛ لأنه إذا رفع رأسه صار مستقبلا القبلة بجسده لا بوجهه.

    ولكن الذي يظهر لي أن المسألة لا تصل إلى حد البطلان.

    أما التعليل: بأنه انحراف عن القبلة فإنه منقوض بالالتفات، فإن الملتفت إلى اليمين أو اليسار قد انحرف عن القبلة، ومع ذلك لا تبطل صلاته.

    وأما التعليل: بأنه فعل منهي عنه في العبادة فأبطلها، كما أن الصلاة تبطل بالكلام؛ والصوم بالأكل والشرب؛ فهذا مثله، فهذا لا شك أنه تعليل قوي؛ لكن النفس لا تطمئن إلى أمر المصلي بالإعادة إذا رفع رأسه إلى السماء، إنما نقول: إن صلاتك على خطر، وأما الإثم فإنك آثم، وبناء على ذلك يجب على طالب العلم إذا رأى الذين يرفعون أبصارهم في الصلاة أن يعلمهم أن هذا حرام، وأنا أرى كثيرا من الناس إذا رفع رأسه من الركوع خاصة رفع وجهه إلى السماء! فليحذر ذلك. انتهى


    (1) أخرجه البخاري (750) عن أنس رضي الله عنه، ومسلم (428) عن جابر بن سمرة  و (429) عن أبي هريرة رضي الله عنه .  

    (2) انظر شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/ 364).

    (3) المحلى (2/ 331).

    (4) قال ابن تيمية: ولا يكره رفع بصره إلى السماء في الدعاء لفعله - صلى الله عليه وسلم - وهو قول مالك، والشافعي، ولا يستحب. انتهى من الفتاوى الكبرى (5/ 338).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم