• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: وقت صلاة الجمعة
  • رقم الفتوى: 3679
  • تاريخ الإضافة: 27 ربيع الآخر 1441
  • السؤال
    ما هو الراجح في وقت صلاة الجمعة وهل تصح قبل الزوال ؟
  • الاجابة

    اختلف أهل العلم في ذلك، وجمهور أهل العلم على أن وقتها وقت الظهر ولا تصحّ قبل الزوال، وهو الصواب، فالأحاديث التي يستدل بها المخالفون محتملة وليست ظاهرة فيما ذهبوا إليه، فلا تفيد غلبة ظن، ومنها ما هو ضعيف ، وبوب البخاري في «صحيحه»: «باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس» (2/ 7 قبل حديث903) ، قال: وكذا يُذكر عن عمر وعلي والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث، وذكر أحاديث، والله أعلم هذه خلاصة الفتوى

    روى الترمذي (503) حديث أنس بن مالك: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس». وقال:  وهو الذي أجمع عليه أكثر أهل العلم: أن وقت الجمعة إذا زالت الشمس كوقت الظهر، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، ورأى بعضهم: أن صلاة الجمعة إذا صليت قبل الزوال أنها تجوز أيضاً، وقال أحمد ومن صلاها قبل الزوال فإنه لم ير عليه إعادة. انتهى 

    قال ابن المنذر في الأوسط (3/ 42): "ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى الجمعة بعد زوال الشمس.
    عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة حين يميل الفيء.
    إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفيء.
    جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: سألت جابر بن عبد الله: متى كان يصلي لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة؟ قال: كان يصلي ، ثم أذهب إلى جمالنا فأريحها، يعني النواضح.
    وأجمع أهل العلم أن الجمعة تجزي إذا صُلِّيت بعد زوال الشمس واختلفوا فيمن صلى الجمعة قبل زوال الشمس، فقال عوام أهل العلم: لا تجزي الجمعة قبل زوال الشمس، وممن كان يصلي الجمعة بعد زوال الشمس عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر، وقيس بن سعد ، وعمرو بن حريث، والنعمان بن بشير وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم".
    فذكر الآثار بأسانيده. وقال:
    "وبه قال عمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي وغيرهم، وهو قول الأوزاعي، ومالك، وسفيان الثوري، والشافعي، وأبي ثور، وقال أحمد: يترك الشراء والبيع إذا زالت الشمس. وقال إسحاق: إذا أذن المؤذن حرم البيع والشراء.

    وفيه قول ثان: روينا عن عبد الله بن سيدان المطرودي أنه قال: صليت مع أبي بكر الصديق فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار، ثم صليتها مع عمر بن الخطاب، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول انتصف النهار، ثم صليتها مع عثمان، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول زال النهار، فلم أسمع أحداً عاب ذلك.
    وروي عن ابن مسعود أنه كان ينصرف من الجمعة ضحى يقول: إنما عجلت بكم خشية الحر عليكم. وعن سعيد بن سويد أنه قال: صلى بنا معاوية الجمعة ضحى. وقال عطاء: كل عيد حين يمتد الضحى: الجمعة والأضحى والفطر". فذكر هذه الآثار بأسانيده، وقال: 

    "وحكى إسحاق بن منصور عن أحمد، أنه قيل له الجمعة قبل الزوال أو بعده. قال: إن فعل ذلك يعني قبل الزوال فلا أعيبه، وأما بعده فليس فيه شك. وكذلك قال إسحاق، وحكى الأثرم عن أحمد أنه قال: فيها من الاختلاف ما قد علمت.

    قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول، وذلك للأخبار المذكورة في أول الباب، وقد احتج بعض أصحابنا، فقال: قد أجمعوا على وجوب الفرض بزوال الشمس، وسقوط الفرض عمن وجب عليه إذا صلاها بعد الزوال، واختلفوا في وجوبه قبل زوال الشمس، وفي سقوط ما وجب من صلاة الجمعة عمن وجب عليه إذا صلاها قبل الزوال. قال: فالإجماع حجة، والاختلاف لا يجب به فرض(1)، ولا يزول كذلك ما وجب باختلاف، فأما حديث عبد الله بن سيدان فغير ثابت ذلك عن أبي بكر وعمر، وقد عارضه حديث عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمر، وحديث ابن مسعود، وقد خبر عمرو بن مرة أن عبد الله كان يحدثهم فنعرف وننكر يعني عبد الله بن سلمة، وقد ذكرنا ما في الحجج في كتاب الصلاة الكبير". انتهى باختصار الأسانيد.

    وقال النووي في المجموع (4/ 511): في مذاهب العلماء في وقت الجمعة
    قد ذكرنا أن مذهبنا أن وقتها وقت الظهر ولا يجوز قبله، وبه قال مالك وأبو حنيفة وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم.

    وقال أحمد: تجوز قبل الزوال، قال القاضي أبو الطيب حكي عنه أنه قال في الساعة الخامسة، وقال أصحابه: يجوز فعلها في الوقت الذي تفعل فيه صلاة العيد. وقال الخرقي: في الساعة السادسة.

    قال العبدري: قال العلماء كافة لا تجوز صلاة الجمعة قبل الزوال إلا أحمد، ونقل الماوردى في الحاوي عن ابن عباس كقول أحمد، ونقله ابن المنذر عن عطاء وإسحق. قال: وروي ذلك بإسناد لا يثبت عن أبي بكر وعمر وابن مسعود ومعاوية.

    واحتج لأحمد بحديث جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس. رواه مسلم عن سلمة بن الأكوع، قال: " كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل به " رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم " نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتبع الفيء " وعن سهل بن سعد قال: " ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري ومسلم، وليس في رواية البخاري في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن عبد الله بن سيدان قال: " شهدت الجمعة مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار، ثم شهدتها مع عمر رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول زال النهار، ولا رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره ". رواه أحمد في مسنده والدارقطني وغيرهما.

    واحتج أصحابنا والجمهور بحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس ". رواه البخاري، وعن سلمة بن الأكوع قال: كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء " رواه مسلم .

    وهذا هو المعروف من فعل السلف والخلف، قال الشافعي: صلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان والأئمة بعدهم كل جمعة بعد الزوال.

    والجواب عن احتجاجهم بحديث جابر وما بعده: أنها كلها محمولة على شدة المبالغة في تعجيلها بعد الزوال من غير إبراد ولا غيره. هذا مختصر الجواب عن الجميع، وحملنا عليه الجمع من هذه الأحاديث من الطرفين، وعمل المسلمين قاطبة أنهم لا يصلونها إلا بعد الزوال.

    وتفصيل الجواب أن يقال: حديث جابر فيه إخبار أن الصلاة والرواح إلى جمالهم كانا حين الزوال لا أن الصلاة قبله، فإن قيل: قوله حين الزوال لا يسع هذه الجملة، فجوابه: أن المراد نفس الزوال وما يدانيه؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: " صلى بي العصر حين كان كل شيء مثل ظله ".

    والجواب عن حديث سلمة أنه حجة لنا في كونها بعد الزال؛ لأنه ليس معناه أنه ليس للحيطان شيء من الفيء، وانما معناه ليس لها فيء كثير بحيث يستظل به المار، وهذا معنى قوله وليس للحيطان ظل يستظل به، فلم ينف أصل الظل، وإنما نفى كثيره الذي يستظل به، وأوضح منه الرواية الأخرى: "نتتبع الفيء" فهذا فيه صريح بوجود الفيء لكنه قليل، ومعلوم أن حيطانهم قصيرة وبلادهم متوسطة من الشمس، ولا يظهر هناك الفيء بحيث يستظل به إلا بعد الزوال بزمان طويل.

    وأما حديث سهل: " ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة "، فمعناه: أنهم كانوا يؤخرون القيلولة والغداء في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة؛ لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها، فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها، ومما يؤيد هذا ما رواه مالك في الموطأ بإسناده الصحيح عن عمر بن أبي سهل بن مالك عن أبيه، قال : " كنت أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب تطرح يوم الجمعة إلى جدار المسجد الغربي، فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم نخرج بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحى.

    وأما الأثر عن أبي بكر وعمر وعثمان؛ فضعيف باتفاقهم؛ لأن ابن سيدان ضعيف عندهم، ولو صح لكان متأولاً لمخالفة الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى 

    ــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) في المطبوع: "والاختلاف فلا يجب به فرض". انتهى 

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم