• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: الجمع بين الصلاتين في المطر والبرد الشديد
  • رقم الفتوى: 3712
  • تاريخ الإضافة: 4 جُمادي الأول 1441
  • السؤال
    السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُه أحسن الله إليكم، نريد فتوى مفصلة ومنفصلة عن الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، والجمعة والعصر في حالة المطر والبرد الشديد، وحبذا لو تضعون الفتوى على الموقع، وَجَزَاكُمُ اللّٰهُ خَيْرَاً
  • الاجابة

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد؛ فالجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء للمطر والبرد الشديد والطين والريح الشديد والمرض، وكل ما يعرض للمسلم ويوقعه في الحرج؛ جائز وهو رخصة؛ لحديث ابن عباس عند مسلم (705)، قَالَ: «جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَر» وفِي رواية: "ولا مَطَر"، قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: «أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ».

    وقد اختلف العلماء في جواز الجمع في الحضر، وأكثرهم على جوازه، والذين قالوا بجوازه اختلفوا في جواز الجمع في المطر وأكثرهم على جوازه في الجملة، واختلفوا في غير المطر.

    وكذلك الجمع بين الجمعة والعصر جائز على الصحيح؛ لأن الجمعة بدلاً عن الظهر فتأخذ حكمها في هذا، والعلة المجيزة للجمع بين الظهر والعصر موجودة كذلك في الجمعة والعصر، نص على الجواز الشافعية(1). والله أعلم هذه خلاصة الفتوى.

    قال البغوي في شرح السنة (4/ 198): "وقد اختلف الناس في جواز الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء للممطور في الحضر، فأجازه قوم، روي ذلك عن ابن عمر، وفعله عروة، وابن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وعامة فقهاء المدينة، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد، غير أن الشافعي شرط أن يكون المطر قائما وقت افتتاح الصلاة الأولى، وحالة الفراغ منها إلى أن يفتتح الثانية، وكذلك أبو ثور، ولم يشترط ذلك غيرهما، وشرط أن يكون في مسجد الجماعة، وكان مالك يرى أن يجمع الممطور في الطين، وفي حال الظلمة، وهو قول عمر بن عبد العزيز.
    ولم يجوز قوم الجمع بعذر المطر، وهو قول الأوزاعي، وأصحاب الرأي. " فذكر حديث ابن عباس، وقال: "هذا الحديث يدل على جواز الجمع بلا عذر، لأنه جعل العلة أن لا تحرج أمته، وقد قال به قليل من أهل الحديث، وحكي عن ابن سيرين، أنه كان لا يرى بأساً بالجمع بين الصلاتين إذا كانت حاجة أو شيء، ما لم يتخذه عادة.
    وذهب أكثر العلماء إلى أن الجمع بغير عذر لا يجوز.
    وجوز الحسن، وعطاء بن أبي رباح الجمع بعذر المرض، وحملا الحديث عليه، وهو قول مالك، وأحمد، وإسحاق". انتهى 

    وقال ابن المنذر في الأوسط (3/ 133): ذكر الجمع بين الصلاتين في الحضر
    ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين فخبر أنه صلى به الصلوات في مواقيتها وهو مقيم إذ ذاك بمكة ثم ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه شتى أنه صلى بعد أن هاجر إلى المدينة الصلوات في مواقيتها
    وقد ذكرت الأخبار في ذلك في مواضعها، وثبت عنه أنه جمع بالمدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في غير خوف ولا سفر.

    فاختلف أهل العلم في الجمع بين الصلاتين في الحضر ، وفي الحال التي يجوز أن يجمع بينهما في الحضر.

    فقالت طائفة: يجمع بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة، ولا يجمع بين الظهر والعصر في حال المطر، هذا قول مالك، قال مالك: ويجمع بينهما وإن لم يكن مطر إذا كان طيناً وظلمة، وكان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه يريان الجمع بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة،
    وممن رأى أن يجمع بين المغرب والعشاء في حال المطر عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    عن ابن عمر، قال: «إذا كانت ليلة مطيرة كانت أمراؤهم يصلون المغرب ويصلون العشاء قبل أن يغيب الشفق ويصلي معهم ابن عمر لا يعيب ذلك»
    وفعل ذلك أبان بن عثمان وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وأبو سلمة بن عبد الرحمن ومروان بن الحكم وعمر بن عبد العزيز.

    وقالت طائفة: يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في حال المطر إذا جمع بينهما، والمطر قائم، ولا يجمع بين الصلاتين إلا في حال المطر، هكذا قال الشافعي وأبو ثور.

    وقال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي عمن جمع بين الصلاتين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة، فقال: أهل المدينة يجمعون بينهما، ولم يزل من قبلنا يصلون كل صلاة في وقتها، قال: وسألت الليث بن سعد وسعيد بن عبد العزيز فقالا مثل ذلك.

     وكان عمر بن عبد العزيز يرى الجمع بين الصلاتين في حال الريح والظلمة، وكان مالك يرى أن يجمع بينهما في حال الطين والظلمة.

    وقالت طائفة: الجمع بين الصلاتين في الحضر مباح وإن لم تكن علة، قال: لأن الأخبار قد ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الصلاتين بالمدينة ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بينهما في المطر، ولو كان ذلك في حال المطر لأدي إلينا ذلك كما أدي إلينا جمعه بين الصلاتين، بل قد ثبت عن ابن عباس الراوي لحديث الجمع بين الصلاتين في الحضر لما سئل لم فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أحداً من أمته ثم قد روينا مع ذلك عن ابن عباس نفي العلة التي توهمها بعض الناس.

    قال أبو بكر: فإن تكلم متكلم في حديث حبيب وقال: لا يصح يعني المطر، قيل قد ثبت من حديث أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قوله لما قيل له لم فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أحداً من أمته، ولو كان ثم مطر من أجله جمع بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لذكره ابن عباس حين سئل عن السبب الذي جمع بينهما، فلما لم يذكره وأخبر بأنه أراد أن لا يحرج أمته دل على أن جمعه كان في غير حال المطر، وغير جائز دفع يقين ابن عباس مع حضوره بشك مالك، فإن قال قائل: فإن ابن عمر وغيره ممن ذكرنا قد جمعوا في حال المطر.

    قيل: إذا ثبتت الرخصة في الجمع بين الصلاتين جمع بينهما للمطر والريح والظلمة ولغير ذلك من الأعراض وسائر العلل، وأحق الناس بأن يقبل ما قاله ابن عباس بغير شك من جعل قول ابن عباس لما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام حتى يقبض، فقال ابن عباس: "وأحسب كل شيء مثله" حجة بنى عليها المسائل، فمن استعمل شك ابن عباس وبنى عليه المسائل وامتنع أن يقبل يقينه لمّا خبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن لا يحرج أمته؛ بعيد عن الإنصاف.
    وقد روينا عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأساً أن يجمع بين الصلاتين إذا كانت حاجة أو شيء ما لم يتخذه عادة، وقد ذكرت في الكتاب الذي اختصرت منه هذا الكتاب كلاماً في هذا الباب تركت ذكره في هذا الموضع للاختصار.

    وقال: اختلف أهل العلم في جمع المريض بين الصلاتين في الحضر والسفر، فأباحت طائفة للمريض أن يجمع بين الصلاتين، وممن رخص في ذلك: عطاء بن أبي رباح، وقال مالك في المريض: إذا كان أرفق به أن يجمع بين الظهر والعصر في وسط وقت الظهر، إلا أن يخاف أن يغلب على عقله فيجمع قبل ذلك بعد الزوال، ويجمع بين المغرب والعشاء عند غيبوبة الشفق، إلا أن يخاف أن يغلب على عقله فيجمع قبل ذلك، وإنما ذلك لصاحب البطن وما أشبهه من المرضى، أو صاحب العلة الشديدة فيكون هذا أرفق به. وقال مالك: فإن جمع المريض بين الظهر والعصر غير مضطر إلى ذلك فيعيد ما كان في وقته، وما كان ذهب وقته ليس عليه إعادة.

     وقال أحمد بن حنبل: يجمع المريض بين الصلاتين، وكذلك قال إسحاق.

    وكرهت طائفة الجمع بين الصلاتين في الحضر غير حال المطر، هذا قول الشافعي، قال: والجمع في المطر رخصة لعذر، وإن كان عذر غيره لم يجمع فيه، وذلك كالمرض والخوف.

    وفيه قول ثالث قاله أصحاب الرأي، قالوا: في المريض إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين، قال: فليدع الظهر حتى يجيء آخر وقتها ويقدم العصر في أول وقتها، ولا يجمع في وقت إحداهما. انتهى ببعض الاختصار. 

    وقال ابن تيمية كما في المجموع (21 / 432):  لكن يجوز الجمع بين الصلاتين لعذر عند أكثر العلماء. كما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر بعرفة، وبين المغرب والعشاء بمزدلفة، والجمع في هذين الموضعين ثابت بالسنة المتواترة واتفاق العلماء. وكذلك ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يجمع في السفر إذا جد به السير، وأنه صلى بالمدينة ثمانياً جمعاً الظهر والعصر وسبعاً المغرب والعشاء، أراد بذلك أن لا يحرج أمته؛ لقوله تعالى. {وما جعل عليكم في الدين من حرج}، فلهذا كان مذهب الإمام أحمد وغيره من العلماء كطائفة من أصحاب مالك وغيره: أنه يجوز الجمع بين الصلاتين إذا كان عليه حرج في التفريق، فيجمع بينهما المريض، وهو مذهب مالك وطائفة من أصحاب الشافعي، ويجوز الجمع بين المغرب والعشاء في المطر عند الجمهور: كمالك والشافعي وأحمد. وقال أحمد: يجمع إذا كان له شغل. وقال القاضي أبو يعلى: إذا كان له عذر يبيح له ترك الجمعة والجماعة جاز الجمع. فمذهب فقهاء الحجاز وفقهاء الحديث: كمالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وابن المنذر وغيرهم يجوز الجمع بين الصلاتين في الجملة، ولا يجوز التفويت بأن يؤخر صلاة النهار إلى الليل وصلاة الليل إلى النهار. ومذهب طائفة من فقهاء الكوفة كأبي حنيفة وغيره أنه لا يجوز الجمع إلا بعرفة ومزدلفة، وكذلك إذا تعذر فعلها في الوقت أخرها عن الوقت، وقول من أمر بالجمع بين الصلاتين من غير تفويت أرجح من قول من أمر بالتفويت ولم يأمر بالجمع؛ فإن الكتاب والسنة يدلان على أن الله أمر بفعل الصلاة في وقتها وأمر بالمحافظة عليها. كما قال تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} هذه نزلت ناسخة لتأخير الصلاة يوم الخندق. وقال النبي صلى الله عليه وسلم {صلوا الصلاة لوقتها} . وقد دل الكتاب والسنة على أن المواقيت " خمسة " في حال الاختيار وهي: " ثلاثة " في حال العذر ففي حال العذر إذا جمع بين الصلاتين: بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فإنما صلى الصلاة في وقتها لم يصل واحدة بعد وقتها؛ ولهذا لم يجب عليه عند أكثر العلماء أن ينوي الجمع ولا ينوي القصر...إلخ  انتهى 

    وانظر المغني لابن قدامة (2/ 202 فما بعدها) والمجموع للنووي (4/ 384)، وبداية المجتهد (1/ 184).

    ـــــــــــــــــــــــــ

    (1) انظر المجموع للنووي (4/ 383).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم